كل ما فكر فيه امرؤ، واعتقده في حياته القصيرة، هو جزء من هذه الحقيقة اللامتناهية، وكما أنه يدخل كثير من الأقذار فيما يدعونه «العالم»؛ أعني الترتيب والانتظام والنظافة، فكذلك حكم المجانين والأشرار، وهم الأغلبية، مستمدة من «الحقيقة» الكلية التي هي مطلقة دائمة إلهية. ***
قلما يسئمني الذين لا يتكلفون، بل يظهرون كما هم في حقيقتهم، وقد يسلونني. ***
المجد كالحسناء لا يمنح نفسه إلا لخاطب. ***
لا أنكر أن الحرية رأس الخيرات للأمة، ولكن كلما تقدمت في السن ازددت يقينا بأنه لا يضمن الحرية للأفراد إلا حكومة قوية، إني تقلدت خلال أربعين سنة أعلى مناصب الدولة، فعلمني الاختبار الطويل أن الشعب متى كانت حكومته ضعيفة ظلم واضطهد؛ لهذا فإن أولئك الخطابيين الذين يعملون لإضعاف السلطان يرتكبون أشنع الجرائم، وإذا كان الملك المطلق يصرف إرادته أحيانا إلى وجوه الشر، فإن من المستحيلات تقرير أمر من أمور الدولة بناء على اتفاق المجموع، وقبل أن يغمر السلم الروماني العالم بأسره، لم تسعد الأمم إلا في عهد المستبدين الأذكياء. ***
كان الرئيس غريفي موفور العقل، فألغى عقوبة الإعدام بالفعل، فلم تنفذ في عهده قط، ليت الذين خلفوه اقتدوا به، فإن أمان الأفراد في المجتمع الحاضر لا يقوم على خوف العقاب، وبعد فقد نسخت شريعة القتل في ظهراني فريق من الأمم الأوروبية، فلم نر أن الجرائم فيها زادت على جرائم البلدان التي احتفظت بهذه الفعلة الشنعاء، بل إن عقوبة الإعدام في هذه البلاد نفسها سائرة إلى الاضمحلال، لا حول لها ولا فعل، كأنها أضاعت أصلها الذي تصدر عنه. إن مبدأي العدل والحق اللذين كانا في الماضي يسقطان رءوس الخلق بأبهة وجلال، قد تزعزعت اليوم أركانهما بسطوة المبادئ الأخلاقية الجديدة التي نشأت عن تقدم العلوم الطبيعية، فأما ونحن نرى رأي العين عقوبة الموت تموت، فمن الحكمة أن ندعها تموت. ***
متى يشتبك البيض بالصفر أو بالسود، يجدوا أنفسهم مكرهين على إبادتهم؛ إذ لا يغلب المتوحشون إلا بتوحش بالغ الإتقان، وهذا هو الحد الذي تنتهي عنده المشاريع الاستعمارية كلها. ***
لا مراء في أنه ستقع أيضا حروب كثيرة؛ فإن الغرائز الوحشية والأطماع الفطرية والكبرياء والجوع التي أقلقت العالم خلال عصور متطاولة ستستمر على إقلاقه أيضا، وهذه الكتل البشرية الكبرى الآخذة اليوم في التألف، لم تجد بعد قاعدتها، ولم توفق إلى توازنها، كذلك فإن تداخل الشعوب بعضها في بعض لم ينتظم الانتظام الكافي لضمان الرفاه العام بحرية المبادلات ويسرها، كما أن الإنسان لم يصبح بعد محترما في نظر الإنسان، ولم تتساو أجزاء البشرية في دنوها من روح الاشتراك والتعاون؛ لتكون جميعا كالحجيرات والأعضاء في الجسد الواحد، وليس بمقدر حتى لأحدثنا سنا أن يشهد ختام عهد السلاح، بيد أن تلك الأيام السعيدة التي لن نعرفها نحن نحس مجيئها، فإذا مددنا إلى عالم الغيب هذا الخط الذي نرى بدايته، كان في وسعنا أن نرى مواصلات أوفر وأكمل بين الأمم والشعوب، وشعورا أعم وأقوى بالتضامن الإنساني، وتنظيما أفضل للعمل، وبالنهاية قيام «الدول المتحدة» في العالم بأسره.
وسيتحقق السلم العام ذات يوم، لا لأن البشر يصبحون خيرا مما كانوا - هذا لم يؤذن لنا أن نرجوه - بل لأن نظاما جديدا للأشياء، وعلما جديدا، وضرورات اقتصادية جديدة ستلزمهم بحالة السلام، كما كانت ضرورات الحياة في الماضي ترميهم في حالة الحرب وتبقيهم فيها. ***
يلوح لي أن الإنسان إنما يشقى لإفراطه في إجلال نفسه وفي الثقة بالناس، فلو كان رأيه في الطبيعة البشرية أصح وأقرب للتواضع، لأصبح في أحكامه على نفسه وعلى الناس أرق وأحلم. ***
إن مجتمعنا - وا أسفاه - مملوء صيادلة يخافون المخيلة، هم في ضلال؛ لأن المخيلة هي التي تبذر بأكاذيبها بذور الجمال والفضيلة في هذه الدنيا، ولا يكون المرء عظيما إلا بها، فيا أيها الأمهات لا تخشين أن تضل المخيلة أبناءكن؛ فإنها على الضد من ذلك تقيهم الخطايا الدنيئة والأغلاط السهلة. ***
অজানা পৃষ্ঠা