وأراد عقله أن يكذب، لكن قلبه وقف في الطريق.
وقال وهو يدير رأسه: ليه يا ماما؟ - أنا شايفة انكم بتقعدوا كتير مع بعض، وهي بنت! وانت شاب!
ولم يملك زمام قلبه هذه المرة، واختفى عقله بعيدا وأفسح الطريق، وانسابت الكلمات على شفتيه.
ماذا قال لأمه ذلك اليوم؟ قال لها إنه يحب «سناء»، وإنه يريد أن يمضي حبهما إلى نهايته، إلى الزواج.
وأنت تعرف ذلك كما يعرفه هو و...
ولا يذكر بعد ذلك إلا صوت أمه ينهى إليه في أسى متخاذل. إنه يدرك الآن فقط فجيعة أمه في أحلام ابنها وآماله، وقلبه، يدرك سر هذا الحزن الذي غمر صوتها وغلفه حتى كاد يبدو مخنوقا. - «سناء» أكبر منك بسنتين! سنها الآن تسعة عشر عاما، وأنت سبعة عشر عاما، وعندما تتم دراستك بعد ثلاثة أعوام تكون هي زوجة ولها أولاد!
ولا تطاوعه بعد ذلك الذكريات. إن عقله يقفز إلى عام تال، إلى يوم مشئوم في نهاية شهر مارس، يوم تدوي الزغاريد في الشارع، وتجري فيه الخادمة النوبية التي رعت طفولته لتعصف بشباب آماله وهي تصيح فرحة من غير قصد: ستي «سناء» قرءوا فاتحتها! على واحد دكتور!
وتتابعت الأحداث كأنها أشباح في عالم الذكريات. وقف ساكنا يتلقى صدمات القدر، كأن العامين اللذين يفصلان بينها وبينه يكبلان إرادته وهواه، وكانت الأعوام الثلاثة التي تفصل بينه وبين حياة الرجل الذي يملك شئون نفسه تلجم لسانه وتشل تفكيره، وكان خلف ذلك كله عشرون عاما، بدأت تقطعها الحياة لكي تملك فتاة حق تقرير مصيرها، وتلامست شفاههما تلك الليلة لآخر مرة، تلامست في قبلة طويلة عميقة بعد منتصف الليل، لم يكن ذلك في اليقظة، وإنما في حلم ساخر، قبلها وهي توشك أن تركب قطارا في رحلة طويلة، نحو عالم آخر! وصحا من النوم مفزوعا، وتحسس شفتيه فوجدهما دافئتين لم تغادرهما بعد حرارة القبلة، وتحسس رأسه فوجده ساخنا كأنه ما زالت تغطيه خصلات شعرها الناعم.
إنه لا يزال يذكر أيضا ذلك اليوم بعد عام، حين تبينت له الحقيقة المروعة، حين أدرك أنه ما زال يحب «سناء»، حين نام صدره بعام كامل يبيت فيه ساهرا، وقد تعلقت عيناه بالسقف، فوقه تماما كانت «سناء» تنعم بليالي شهر العسل مع الرجل الآخر الذي يملكها دون أن يدفع ما دفع هو من سهر، ودموع، وأعصاب!
وصاح بأبيه ذات يوم وقد اغرورقت عيناه بالدموع: ما الذي يبقينا في هذه الدار؟
অজানা পৃষ্ঠা