إن له شأنا أي شأن؛ فأنت القارئ في حاجة إلى بعض الإقناع لكي ترضى عن هذا الكتاب.
أولا: أريد أن أقرر لك أن هذه القصص ليست بداية فألتمس لها العذر وأطلب منك الترفق في الحكم عليها، وليست نهاية ما أصل إليه فأقول لك إنها آية في الفن، ولا أستطيع أن أقول ذلك لأنني كاتب قصة ولست بشاعر ... ولا أدري شيئا عن هذا التقليد الجائر الذي يبيح للشاعر أن يشيد بشعره ويمجد نفسه، ويفخر بسلطانه على المعاني وملكيته للدرر والجواهر ... ولو كان شعره حصى مرصوفا في طريق مهجور. لا أدري شيئا عن هذا التقليد، ولكنني أحترمه وأنزل إلى مرتبة القصاصين فأتقدم إلى القارئ في استحياء لا يوصف به الشعراء، أتقدم إليه لأقول هذه قصص في منتصف الطريق، ليست في ليونة الغصن الناشئ، ولا في صلابة الجذع المتمكن، لا أبرأ منها، ولا أفخر بها ... كل ما في الأمر أني أحتمل تبعتها، أحتملها في صبر لا يقل عن صبرك عند قراءتها، وحين ترضيك منها واحدة لن أزهو؛ فأنا أعرف السبب، إنه ليس سموي إلى النطاق العالمي، ولكنه انحصار ذهنك أنت في النطاق المحلي الضيق، وإذا أعجبتك قصتان فسأبتسم؛ لأني عرفت من أمر حياتك ناحيتين، وإذا زدت عن ذلك، فلن أشك لحظة واحدة أنك فارغ البال تبحث عما يشغلك ويملأ فراغك.
لقد سبقتك - أيها القارئ - فأبديت رأيي فيك قبل أن تبدي رأيك في، وتلك مزية سوف تجرح رأيك مهما كان. إياك أن ترمي قصة بالسخف، وإياك أن تخلع على قصة ثوب الإعجاب، وإياك أن تترك الكتاب كله قبل أن تتمه؛ إنك إذن تكون ظالما لنفسك قبل أن تظلمني، فما أدراك أنك سترى نفسك قبيل الصفحات الأخيرة إن لم تجدها على الغلاف أو ما بعد الغلاف!
هذه قصص لا بأس بها في مجموعها وتفصيلها، هذا رأيي أنا في قصصي، مع تحفظ واحد أسوقه إليك: لا بأس بها على أن تقرأها وأنت ذاكر ما سقته لك أول الأمر عن القصة المصرية. هذه قصص محلية، فيها إنسانية محلية، وأؤكد لك أني ما قصرت في أن أسمو إلى النطاق العالمي، بل سعيت إليه في بعض القصص، وأحسست أحيانا بمشاعر بعض من رسمتهم فيها، أحسسته ولم تكن مهمتي تعدو التصوير، حتى قد خيل إلي أني قد وصلت إلى أن أبث فيهم مشاعر إنسانية صادقة، أحسست بحزن بعضهم كما لو أنهم بشر لا غير، بشر من أي مكان، وفي أي مكان.
ومع ذلك فأنا - كما قلت لك - في منتصف الطريق، ولست أنت خيرا مني.
مايو 1948
صلاح ذهني
شارع الذكريات
إنه لا يزال يذكر ...
عشرون عاما مرت منذ وطأت قدماه أرض هذا الشارع لآخر مرة، حين ألقى عليه نظرة هائلة مودعا كل ما فيه، وقد صمم على أن لا يراه إلى الأبد، بل وقد صمم على أن ينسى أنه سكن فيه ذات يوم، بل عاش فيه صباه السعيد.
অজানা পৃষ্ঠা