ফেরাউন যুগের ভৌগলিক মিসরের বিভাগ
أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني
জনগুলি
أما الأنظمة الحكومية في الوجه القبلي والبحري فكانت بطبيعة الحال تختلف في القطرين كل الاختلاف؛ إذ إن الوجه القبلي كان في أصله بلادا زراعية، وقد أدخلت فيه الحضارة بعد الدلتا بزمن طويل، وكانت الدلتا معظمها مؤلف من مدن سكانها يشتغلون بالتجارة والصناعة؛ ومن أجل ذلك كانت أغنى البلاد المصرية سكانا وأعرقها حضارة. وتدل البحوث التاريخية على أن نظام الحكم في الدلتا كان ديموقراطيا، كما أن الحكم في الوجه القبلي كان أرستقراطيا استبداديا غاشما، ولدينا من الوثائق ما يثبت ذلك.
لقد بقي تاريخ بلاد الدلتا غامضا أمامنا لقلة ما لدينا من المصادر الأثرية؛ ولذلك كانت كل البحوث تتجه برمتها لبلاد الوجه القبلي. وقد استمر الحال كذلك إلى أن وقعت في أيدينا وثائق ذات أهمية ممتازة، تسهل علينا درس مدن الوجه البحري واقتفاء أثر أنظمتها على وجه عام، وفهم أصل نشأتها الاجتماعية منذ عصر ما قبل الأسرات وعصر الإقطاع الإهناسي.
ففي عصر ما قبل الأسرات ألقت اللوحات الأثرية التي تركها لنا ملوك الجنوب نورا خاطفا على مدن الدلتا؛ فقد مثل على واحدة منها ملوك هذا العهد وهم يهدمون بعض تلك المدن. ولوحة الملك «نعرمر» - الذي يختلط اسمه باسم الملك «مينا» مؤسس الوحدة المصرية - لها أهمية عظيمة جدا في موضوعنا هذا؛ فقد مثل هذا الملك وهو يضرب عصاة الدلتا وهو مرتد تاج الوجه القبلي، وهؤلاء العصاة هم طائفة من المصريين يسمون «رخيت» أي سكان المدن، وكانوا من الخوارج على هذا الملك؛ فذبح منهم خلقا كثيرا، وبعد ذلك قهر بلدة «متليس» «بالقرب من فوه» البحرية التي كانت ثائرة عليه، وهذه البلدة تميز على لوحة «نعرمر» برمزها الخاص بمقاطعتها وهو الخطاف الغربي، وقد أمر الملك بإزالة جدرانها وقطع رقاب العشرة الرجال الذين كانوا يديرون شئونها. وهذا النصر كان بلا شك حاسما؛ لأن الملك كان في تلك الآونة يلبس التاجين الأحمر والأبيض.
على أن توحيد البلاد في عهد «مينا» لم يجعل الأمور تستقر في بلاد الدلتا نهائيا؛ وذلك لأن ذكرى استقلالها القديم كان يعاودها فتقوم بثورات ضد السلطة الملكية، كما جاء خبر ذلك في حجر «بلرم». وأخيرا قضت الأسرة الثالثة على كل مقاومة من ناحية مدن الدلتا؛ فلم نعد نجد بعد أثرا للعشرة الرجال الذين كانوا يحكمون كل مدينة منذ أربعة أجيال مضت. وكانت هذه المدن قد وضعت تحت إدارة حكام ملكيين يحمل كل منهم لقب «عزمر»؛ أي المشرف على حفر الترع، وربما كان حفر الترع هذا أهم عمل يستحق العناية في الدلتا في ذلك الوقت، ولا غرابة في ذلك؛ إذ إن الدلتا كانت في حاجة إلى توزيع المياه والعناية بها في كل الأزمان، وسنرى أن النيل في الدلتا كان من الأسلحة التي يشهرها الملك على كل بلدة تعصيه؛ وذلك بحجز المياه عنها بإقامة سد فيه فيعطل تجارتها وري الأراضي التي حولها، وبخاصة إذا علمنا أن مدن الوجه البحري كانت تعيش فيما بينها على التجارة بالنيل وترعه. والظاهر أن هذه المدن كانت لا تزال تحتفظ بعض الشيء باستقلال قضائي وقانون مالي يختلف عن الجهات الزراعية الأخرى في البلاد. والواقع أن سكان مدن الدلتا «رخيت» رغم أنهم كانوا يخضعون تدريجيا للقانون العام في البلاد كلما تمركزت السلطة الرئيسية في يد أسرة قوية، إلا أنهم كانوا قد حافظوا طوال حكم الدولة القديمة على طابع خاص بهم من الوجهة الاجتماعية لم ينثنوا عنه.
ومن الأمور الهامة في تاريخ العهد الإقطاعي مدة الأسرة التاسعة؛ إذ رأينا أن العشرة الرجال الذين شاهدناهم في لوحة «نعرمر» بصفتهم حكاما يحكمون المدينة قبل تمركز السلطة الملكية في يد «مينا»، قد ظهروا ثانية في متن تعاليم الملك «خبتي» لابنه «مريكارع». وهذا المتن له أهمية خاصة في كشف النقاب عن سيادة نظام الحكم الديموقراطي في بلاد الدلتا، وتمسكهم به طوال تاريخهم كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
ومن هذا المتن نعرف أن الدلتا في العهد الإقطاعي؛ أي حينما انحلت عرى اتحاد البلاد، كانت على العكس من مصر الوسطى مقسمة بين كبار رجالها، وكانت تتألف من مراكز «سبات» لكل منها مدينة عظيمة، وفي كل من هذه المدن كانت السيادة في أيدي عشرة رجال من كبرائها، وكان الحاكم يستمد إيراداته من الضرائب المختلفة، أما الكاهن فكان له حقل بصفة مرتب له.
ويصف لنا المتن مدينة «أتريب» بنها الحالية تقريبا «بأنها من أهم المدن، وتقع في وسط الدلتا على الفرع الأوسط للنيل، وهي المركز الرئيسي للطريق الذي يؤدي إلى البلاد الأجنبية، وأسوارها وجنودها كثيرة، ويبلغ تعدادها عشرة آلاف رجل - أي من الذين ينطبق عليهم صفة المواطنين - أحرار لا يدفعون ضرائب؛ ويعني بذلك الضرائب أو السخرة للملك؛ إذ المتن في الواقع يشير إلى الضرائب التي تدفع إلى حكومة المدينة.
ولهذه المدينة حكام منذ زمن الحاضرة أي منذ عصر الإله «أوزير»؛ أي عصر ما قبل التاريخ الذي تنسب إليه اللوحات المنقوشة، وهي التي عرفنا منها هؤلاء الحكام؛ أي العشرة الرجال الذين كانوا يحكمون كل بلد، وحدودها ثابتة وقوية، وحاميتها مؤلفة من جم غفير من رجال الشمال. وبلاد الدلتا تنتج القمح بلا قيد ولا شرط، وهذا القمح ملك لمن يزرعه. حقا كانت هذه هي الميزة الأساسية لبلاد الشمال.»
ولا نزاع في أن هذه الأسطر القليلة من هذا المتن تظهر لنا بوضوح حال مدن الدلتا؛ فكان يدير شئونها حكام، وهم العشرة الرجال؛ وعلى ذلك كانت المدينة بالنسبة للملك كإقطاعة ولكن ليست تابعة لأمير إقطاعي؛ وهذا ما يدل على أن الدلتا لم تكن مقسمة إلى إمارات إقطاعية يحكم كل واحدة منها أمير وراثي كما كان الحال في الوجه القبلي، ولكن كانت مقسمة إلى مدن منظمة في صورة جمهوريات تتمتع كل منها بحكم ذاتي وتحت سيطرتها الأراضي الزراعية، وكان سكان أهل هذه المدن يتألفون من مواطنين أحرار، ساكنين داخل أسوار مدينتهم، وفي حوزتهم الأراضي التي تحيط بالمدينة، أما مصدر حياتهم فكانت التجارة، وقد كانت القوافل البرية تلتقي في هذه المدن، وكذلك كانت تلتقي فيها السفن التي كانت تجري في النيل إلى مرافئها، وفي أراضي هذه المدن لم يكن نظام عمال الإقطاعات «التملي» موجودا، بل كان القمح ينتجه الزراع بكل حرية وما تخرجه الأرض من محصول يكون ملكا خاصا لزراعه.
وسكان تلك المدن يتألفون من الطبقة الوسطى الحرة، ولم يكونوا قط من طبقة الأشراف، وكان يتألف من هذه الطبقة «الوسطى» أحزاب سياسية تتطاحن فيما بينها بعنف وشدة. وهذا هو السبب الذي جعلنا نعتقد أن العشرة الرجال الذين كانوا يديرون شئون كل بلد، كانوا ينتخبون من أهل البلد نفسها. وفي فقرة من متن «خبتي» الذي نحن بصدده يفسر لنا الملك كيف أنه انتهز الفرصة لإجبار المدن على الخضوع له؛ وذلك أن مدن الدلتا كانت دائما في حروب مستمرة فيما بينها؛ فمثلا نجد أن مدينة «أتريب» قد أقامت ضدها مدينة «إهناس» حاضرة الملك سدا في النيل لأجل إخضاعها، وهذا السد طبعا يكون في عرض النهر؛ لأجل وقف الملاحة لإجبار المدينة الناهضة على التسليم والخضوع. وهذه نفس الطريقة التي يشير إليها الملك عند قوله بأنه يمنع المدن من أن تثور ضده لأنه سيد النيل، وأنه بإرادته يمكن أن يأتي النيل أو لا يأتي إلى مدن الدلتا.
অজানা পৃষ্ঠা