أنوار النبي (صلى الله عليه وسلم) أسرارها وأنواعها تأليف الشيخ الإمام القطب عبد الحق بن سبعين المرسى الأندلسى (المتوفى سنة 669 ه) إعداد الشيخ أحمد فريد المزيدى
পৃষ্ঠা ৬৭
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في أنوار النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال الشيخ ابن سبعين (قدس الله سره):
الحمد لله الذي بنوره يعلم ويعبد، وبحضوره يعرف ويشهد، الذي خلق النيرات والنجوم المسخرات، وأودع الأرواح سر عهده الأول الأوصل، وذكرها صورة المفارق للمواد، وجعل القلوب مظاهر ملكه الأكمل، وزينها بالعلوم والعقل المستفاد، وجعل طريقة خليله إبراهيم (عليه السلام) بما ظهر من الأنوار لعالم الإنسان، وطريقة حبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم) بما بطن من الأسرار، وخصه بمقام الإحسان فكان ذلك مريدا وكان هذا مرادا، ثم إنه مات وصحفت صحفه كما صحفت صحف موسى، وهذا بالضد توفي (صلى الله عليه وسلم)، وعاشت شريعته، والذي كان مبددا في حياته (صلى الله عليه وسلم) اجتمع بعد مماته، ولا تركته العناية حتى جعلت من الرسل من يتبعه وهو عيسى (عليه السلام).
فلما أبصرت هذه العناية الكبرى، وحققت أن كل درجة بالنظر إلى درجته هي النعمة الصغرى حتى عظم أمره في الدنيا، وأكبر أمره هي في الأخرى.
وإذا أبصرت من آياته ما أبصرت نبهتك، ثم أتتك بعدها أخرى اجتمعت في نفسي، ونزعت بالجملة إلى حضرة جلالته حتى إني غبت بذلك عن حسي، وأهملت معاشرة جنسي، واشتد بالغلو في صلاته أنسي.
قلت عن غائب عينه إرساله وزاجر أكده إجلاله:
يا أيها الإنسان! والمراد بهذا الجنس وله أقصد بالخطاب ولا أبالي على أي حال كان فإن الحقائق إذا تعينت، ونور الله إذا كان مظهره الأفضل هو به على الوجه الأكمل والقدر الأوصل.
قيل فيه بحسب الطاقة: فمن مسلم ومن ضده ومن عاش ومن مبصر ومن موف ومن مقصر من ذلك، ومن مقتصد، ومن مطفف، ومن مجتهد.
وقد خرج بنا الكلام إلى غير الذي قصدناه بالقصد الأول، وبالقصد أيضا كان.
পৃষ্ঠা ৬৯
فنرجع فنقول:
يا هذا المسلم النور قد استولى وتراكم بالغرض، وزاد حتى غلب الكمية والكليات بل الخطوط المتوهمة، حتى إنه يفوت ما يقال وما يتوهم وما يعلم ويقدر، ولا تلحقه لمبالغة الإعياء، والناس في تصوره على أنحاء وعلى مراتب، وبقدر نصيب كل، وعادة الله تعالى في عباده أن ما من عليم إلا وفوقه عليم، وما من حكيم إلا وفوقه من هو منه أحكم، وفوق الكل أحكم الحاكمين العليم الحكيم، ثم انقسم اعتقاد الجهال على أربعة أقسام.
والذي يرجع إلى حاصل ما يعتقدون ويقولون فيه، أعني في نور النبوة والمقام المحمدي على أنحاء.
فنترك الكلام على المخالف لنا إلى موضوع آخر، ونتكلم على مراتب أمته (صلى الله عليه وسلم)، وخصوصا على المعنى الحاصل المعلوم منهم، من حيث النار هذه ومن طالع ظهورها.
فنقول: هم أربع درجات، وبينهما طبقات دون كذا، وعند كذا منها بالنسبة إلى كل واحد، فالذي في الدرجة الأولى هو الذي يقول: أنا أعتذر وأستخرج في ذلك العجائب، وأصرف الأمور إلى مراتبها الأولى.
والثاني الذي يتلوه في الدرجة الثانية هو القائل: ما هذه إلا مصيبة أو شبهة يثقب فيها مع المخالف لنا في المسألة، لكنه إنا لله وإنا إليه راجعون.
والثالث الذي بينهما هو القائل: هذا ينبغي أن يكتم ولا يتكلم به؛ فإنه يخاف مما يعود على العوام به.
والرابع هو الذي يقول: هذه مصيبة أصيب بها عين الإسلام، ويا لها من كائنة ما أصعبها، وكأنها ثانية لنفخة الصعق أو هي أختها، هذه مبطلة، هذه قاصمة الظهر، هذه غير هينة.
والذي يجد الأسف ولا يعلل هو يمتد في الأولى إلى الثانية، والذي يضحك ولا يعلم ما أمره في ذلك بالجملة، وكأنه غير معتبر عنده إلا من حيث أنه يقول إذا سمع القول فقط، وما يشعر النفس بأمر يوهم أو يحرك، وهذا يمتد مع الثانية إلى الثالثة، والذي يقول هذه
পৃষ্ঠা ৭০
من الشروط، وإذا كان الله يفعل هذا بحبيبه فما يفعل بغيره، يفعل ذلك من قبل الموعظة.
والجميع من ذكر يضحك منهم العلم، وتبكي عليهم المعرفة (1)، ويهملهم التمكين (2)، ويحملهم التحقيق (3).
فاعلم أنت وأهل الدرجات أن نور السموات والأرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مظهره ومشكاة مصباحه ووحيه زيتونة زيتها، ثم هو نفسه نور الله، وكذا وحيه ومعجزاته وآياته، ومجموعة ما قال في ذلك وبعد نور النبوة واتصافه بها.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): «اللهم اجعل لي نورا في قلبي ونورا في جسمي ونورا في شعري (4)»، وتتبع جوارحه كلها كذلك.
ثم قال (صلى الله عليه وسلم): «واجعلني نورا».
ثم كان (صلى الله عليه وسلم) يذكر الله في كل زمان فرد، والقرآن من أسمائه النور، وكان يتلوه وعليه أنزل بالملك تارة، وتارة من حيث روعه الداخل، ثم طلب الرفيق الأعلى عند موته، ومحل الأنوار وروحه هناك يتنعم، فهذه أنوار معها أنوار، وأنوار بعد أنوار وقبل أنوار، ثم أنوار لا نهاية لها، ثم نور الله الذي لا يحد ولا يكيف، لا يفوته في روحه وعقله وحسه وخياله وجميع مواده الباطنة والظاهرة، ثم أنوار آيات تلحق بذاته ينبغي أن يقال لا نهاية لأنواره.
ثم إذا نظر إلى مضافها وإلى مشارها بالجملة وإلى جملة ما هو عليه لا ينبغي للعاقل إلا أن يقول: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [المائدة: 54].
পৃষ্ঠা ৭১
وبعد هذا كله لو سمعت من المحققين من أمته: ما هي الأنوار؟ وإلى كم تنقسم؟ وما المراد بها؟ وما عالمها وكونها؟ هي عندهم عوالم الاتصال الثلاث، والكمال الثاني، وبعد هذا كلامهم فيها.
وفي التجليات هو المطلب الأقصى للمباحث، والمتأله بالأمر الخاص العزيز، ولهم ما هو أعلى، فكيف لسيدهم الذي هو السبب لذلك كله، وهو الصورة المفيدة لذلك، ومما يصلون إليه حتى أنهم يضحكون من الأنوار العقلية التي يشعر بها اصطلاح الحكماء! وكذلك يعللون مراتب المثل المعلقة بعد الطبيعة بالجملة، وأنوار التولد والاستدلال، وغير ذلك بالكلية، والأنوار الحادثة في النفوس الجزئية، وكذلك يسخرون بالأنوار المضافة بعد علم الثالوجي (1)، علم الوحدة، وعلم أحكام التوحد هناك.
ولهم في الأنوار جملة مقاصد ما هي قبيل من يذكر عندهم، فإن أضعف أنوارهم عواشق الأفضل ممن تقدم.
فاعلم أني قلت ذلك لكي تتنبه .
وأما أنوار المقامات والأسماء عندهم ثم الأنوار الباطنة والخلافة الآلية (2)، ونور الإحاطة، ونور التقدير المثالي، ونور التعرض الذي يصحب لصاحبه السكينة، ثم نور الله الذي إذا فرض دائرة وضعية كان الحق المحض ذات المقدر الواقف.
فاعلم يا هذا من يكون الضعيف من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، يجد أن هذا عين المحبوب الأعز عنده، ثم يطلب له بيان حال مجده، إن كان يريد أن يبين ذلك ببرهان فهو صاحبه بالجملة، وإن كان يريد أن يبين البين فهو يتحرك في سلسلة جنونه، وينوع السخف، ويقسم أشخاص فنونه، وإن كان على جهة أن يقال هذا يقول: وهذا ينطق بكذا، ويروم أن يحمد، فقد قصم ظهر قوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق: 18]، فمن أمر من أجله رجال الله ألا يرفعوا أصواتهم، فكيف يسمح به أن يتهم أن يدبر بغير
পৃষ্ঠা ৭২
مجده الإلهي؟! أعوذ بالله من الحرمان، التوبة يا غير خبير! التوبة يا غبي الذات! التوبة يا غافل! التوبة يا غالط! التوبة يا جاهل! التوبة يا ضعيف المجموع! وسلام على من اتبع الهدى.
القول على أنواع أنوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
اعلم أن أنواره (صلى الله عليه وسلم) تختلف باختلاف متعلقاتها ومضافاتها، ومن حيث الأقل والأكثر، والأشد والأضعف، هذا بالنظر إلى نوع النوع لا أنها تنقص أو تضعف من حيث أنها أنوار إلا بأمر يلحقها في نفس الأمر.
فمن ذلك:
- نور عزته.
- ثم نور الغاية الإنسانية.
- ثم نور الإدراك.
- ثم نور النبوة.
- ثم نور النشأة.
- ثم نور السابقة.
- ثم نور التشريف.
- ثم نور التدلل.
- ثم نور التركيب.
- ثم نور المولد.
- ثم نور الخلقة.
- ثم نور التربية.
- ثم نور الانتقال.
- ثم نور النهاية.
পৃষ্ঠা ৭৩
- ثم نور التضمن.
- ثم نور العادة.
- ثم نور التسخير.
- ثم نور الاتباع.
- ثم نور اللواحق.
- ثم نور الجاه.
- ثم نور الخطابة.
- ثم نور المقايسة.
- ثم نور التفضيل.
- ثم نور الإحاطة.
- ثم نور الحصر.
- ثم نور الكشف.
- ثم نور التزكية.
- ثم نور المكانة الكبرى.
- ثم نور الانفراد .
- ثم نور الذكر والعلامة.
- ثم نور العلانية.
- ثم نور الخصوصية في أول حاله.
- ثم نور الخير المحض.
- ثم نور اللواء.
- ثم نور العبودية.
পৃষ্ঠা ৭৪
فأما النور الأول: وهو نور العزة: فهو نور الشهادة التي تقال مع شهادة الله: هذا كشف عن عزته عند الله، ومنها أيضا في جملة أحكام أمته (صلى الله عليه وسلم) فيها يتبع كالتشهد في الصلاة والآذان.
وأما الثاني: وهو نور الغاية الإنسانية: فهو شأنه الذي كان ليلة الإسراء، فإن الأنبياء خير البشر جاز عليهم في السموات، ثم تركهم وقطع عوالم الملأ.
فهذه نورانية كشف بها أنه وصل الغاية وبلغها ثم وصل إلى محل الكروبيين ثم إلى أكثر ثم إلى آخر العمارة الروحانية والجسمانية.
وأما النور الثالث: وهو نور الإدراك: فإنه أدراك الله وأبصره على أي نوع كان وعلى أي مذهب إن كانت العلمية أو الأخرى ثم كان يبصر من خلفه (صلى الله عليه وسلم) كما كان يبصر من أمامه، وأيضا إدراك الجنة قبل موته.
وأيضا كوشف عن الذي في قبره يعذب، وأيضا كشف له عن الجنة في عرض الحائط.
وأيضا أبصر الملك على صورته التي خلق فيها ثم على أنحاء بعد ذلك هذا نور كشف له عن أعز المدركات كلها.
وأما النور الرابع: وهو نور النبوة: فهو ما له ظهر من الآيات وما تحدى به من المعجزات، ثم ما أدرك من النوع الأكمل. هذا كشف له به عن مقام النبوءة وأظهر الله به قدره ومكانه.
وأما النور الخامس: وهو نور النشأة: فهو الذي كشف له مكانته وعناية الله به وحفظه وما فعلت الملائكة به وتطهيره وشق بطنه واتصافه بما يجب وكونه كان يتيما محفوظا حتى إن أمه الأولى حدثت عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يسبح في بطنها وعند ولادته تعنى وبعدها وأمه أعني أم تربيته كذلك كانت تقول إذا أكلت الطعام المختلف فيه لا يشرف لبنها. وجملة الأمر كان مجموع قرائن أحوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وأما النور السادس: وهو نور السابقة: فكونه في الأول أريد بذلك، فإنه قد أخبر أنه سيد ولد آدم، وكان وكل ذلك عن الله، وخبر الله لا يتغير، وكذلك علمه لا يتبدل
পৃষ্ঠা ৭৫
وأيضا كونه قال: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» فكشف له هذا الطين أنه كان مشتهر ما بين الأنبياء في الأزل قبل الكون وأظهر أنه نبي، وهو ممكن الوجود وقبل كونه وهذه أيضا سابقة ثانية، وكذلك اسمه في اللوح إذا أرادت الملائكة ترحم عباد الله وتدعو الله فيهم لكي يدفع أو يرفع عنهم العذاب النازل- قصدوه وتوسلوا له به.
ذكر ذلك ابن شوع ورفعه إلى أبى بكر الصديق رضي الله عنه.
وأما النور السابع: وهو نور التشريف: فهو النور الذي كشف له عن الخصوصية الملكوتية ورسم اسمه مع اسمه في اللوح وكتب بالنور.
وأما النور الثامن: وهو نور التدلل: كشف له عن مقام القرب وهو قوله تعالى: ثم دنا فتدلى [النجم: 8] لأمر.
وأما النور التاسع: وهو نور التركيب: فهو الذي انكشف له به عن الغاية العظمى في التوحيد فإنه كان إذا فكر في الموجودات ثم في النظام القديم ثم في سر القدر ثم في الأمور العالية كان يغان على قلبه إذا ركب هذه المعلومات العزيزة.
وأما النور العاشر: وهو نور المولد: فإنه كشف له عن سعادة مولده بالبرهان الفلكي الإلهي السماوي فإنه كان له نصبة عجيبة لم يبصر قط في أيام العالم مثلها ثم ظهر يوم مولده في الآفاق مائة معجزة منها خمود نار فارس وانشقاق إيوان كسرى وزلزلة أبداد الهنود.
وأما النور الحادي عشر: وهو نور الخلقة: فكان (صلى الله عليه وسلم) يظهر بين عينيه النور الذي لا يخفي على أحد حتى إن من العرب من كان يغنيه في إيمانه عن طلب المعجزة والآية منه.
ومع ذلك أيضا النور في تبسمه وفي جبينه كما حدثت عائشة رضي الله عنها. وفي موضوعه كله. ولما كلامه وأفعاله وحركاته كل أكوانه وما ظهر من خلقه، وما بطن من مجموعة أنوار هذا في أصل وضعه. وكيف، وهو أيضا قد قال اللهم اجعلني نورا بعد ما عدد أجزاء بدنه (صلى الله عليه وسلم) وهذا كشف له أنه النور بل نور النور الروحاني والجسماني.
وأما النور الثاني عشر: وهو نور التربية: فما كشف له عن العناية الحافظة له والعصمة
পৃষ্ঠা ৭৬
الإلهية التي لا يشترط فيها العقل وأسباب التكليف والعلامات مثل السحابة التي كانت تظله، وما ظهر في بنيان البيت ومصارعته لأبى جهل هذه كلها أنوار كاشفة لأمور خارقة للعادة.
وأما النور الثالث عشر: وهو نور الانتقال: فهو النور الذي كان يبصر في عين أبيه وأمه، وما سمع في ذلك بعد ما حملت به أمه، وكونه (صلى الله عليه وسلم) ورث ذلك منهم بعد ولادته (صلى الله عليه وسلم) وانتقاله من الظهر الظاهر إلى الظهر الطاهر وحكى أبو الفضل عياض أنه كان كل من تقدم من آبائه (صلى الله عليه وسلم) إذا أوقع في الرحم ما أودع الله تعالي في ظهره من نطفة المصطفي (صلى الله عليه وسلم) يجد الفراغ والكسل وتختل عليه أحواله كلها حتى جاهه في الناس، هذا بالنظر إلى مكانه الأول وهذا النور كشف له عن نورانية نطفته (صلى الله عليه وسلم).
وأما النور الرابع عشر: وهو نور النهاية: فهو نور الله تعالى الذي ختم به النبوة وانتهي الأمر عنده، وصور التكميل بالجملة. وهذا أظهر له (صلى الله عليه وسلم) أنه خير الرسل. فإنه نسخ ما ظهر أنه صاحب نهاية الأمور الذي يرجع إليه والكامل الذي لا يمكن أن يزاد فيه ولا ينقص منه.
وأما النور الخامس عشر: وهو نور التضمن: فهو الذي كشف له به أن الذي كان عليه أسهل وأكمل من الذي سلكه أبوه إبراهيم (عليه السلام) فإن هذا كان في أمره كالمختار المحبوب وأبوه كالطالب المجتهد. وقصة انتقال إبراهيم (عليه السلام) تعلمك بالحال.
وأما النور السادس عشر: وهو نور التسخير: فهو كشف له (صلى الله عليه وسلم) أنه الغاية في السموات والأرض وأن القمر انشق له والكواكب سخرت لحفظ نظام ملته وتلك أيضا معجزة ظهرت في مدة ملته (صلى الله عليه وسلم) وهي باقية وغفل عنها كثير من الناس وهي الشهب التي ترسل على الشياطين. وما ذلك إلا بركة كتابة ولأجل موضوعه وكذلك الملائكة من تسخيره وخدمته، فإنها تكتب فضائل أمته (صلى الله عليه وسلم) وقاتلت معه (صلى الله عليه وسلم)، وإلى الآن أولياء أمته في منادمتهم ومخاطبتهم مشافهة، وكذلك الصور الروحانية كلها.
وهذا نور كشف له أنه المدلل في السموات والأرض، وفي كل العوالم.
পৃষ্ঠা ৭৭
وأما النور السابع عشر: وهو نور العادة: فإنه أظهر في أيام الدنيا وأيام العالم وأيام الدين من العدل وصلاح الأحوال وسياسة المنزل والتدبير المحمود، فأظهر له أنه الحكيم الأعظم.
وأما النور الثامن عشر: وهو نور الأتباع: فما ظهر لهم من النصر بالسنان فإنهم استفتحوا بلاد الكفر من بعده (صلى الله عليه وسلم)، وما فتح الله به وما ظهر على رجال أمته من الكرامات على العلماء من العلوم على أنحائها.
وبالجملة ظهر أن الأمر فيه مع الأنبياء والرسل هو الأمر فيهم مع علماء والملل والدول.
وقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس [البقرة: 143] فهي ذلك الآية.
وأما النور التاسع عشر: وهو نور اللواحق: فما بعده من الآيات التي أخبر به وما أيضا في العالم من العجائب فهي له حتى فضائل أمته فإنها هي فضائله.
فإن قلت: لا تحصر كراماتهم وعلومهم، فقد قلت: لا نهاية لمعجزاته (صلى الله عليه وسلم)، هو فإنه الأصل في ذلك. والذي يفيد الكرامة بتبعيته هو الكامل. حتى أن هذا النوع باتباعه يترجح على المعجزة الحاضرة معه، فإن تلك بإزاء تكذيبه ولضرورة المعاند، وهذه من عند الله على جهة الإكرام ثم هي أيضا مركبة بزيادة أمر محمود وهذا أظهر له (صلى الله عليه وسلم) أصل كل فضل وسعادة وعناية.
وأما النور العشرون: وهو نور الجاه: فهو كشف له أنه واحد الله في التخصيص والشفاعة تدل على ذلك وأشباهها.
وأما النور الحادي والعشرون: وهو نور الخطابة: فكونه كيف له أنه الذي أوتي جوامع الكلم.
وأما النور الثاني والعشرون: وهو النور الذي سميته نور المقايسة: فهو كشف له أنه إذا جمع في الذهن جميع الأنبياء والرسل في تقديره لفضلهم.
পৃষ্ঠা ৭৮
ودليله أنه أعلم الخلق بالله، والدرجة التي هناك لا تقاس بما بعدها، وإن تعددت فإن المجموع لا يقوم منه ما يساوى، فإن الذوات لا تتحد، فاعلم.
وأيضا إذا قلنا: إنه أفضل من إبراهيم فالمرتبة أو الدرجة التي يفضله بها أي شيء يقاس بها لا بد لها من تنظير تنظر معها، ثم سلمنا أنه أرفع الأنبياء منزلة في الجنة، والكل دونه فلا ينفع ما عظم واجتمع، فإنه مع ما هم فيه ينظر إليهم من تحت.
فاعلم ذلك ولا تقس الأمر فيه بالمحسوس، فتقول: هو صاحب ألف درهم في التمثيل، وهم من مجموع الكل منهم، وإن كان لكل واحد منهم مائة جملة.
قيل: ما الأمر الذي نحن فيه هذا يشابهه، فإنك هناك تقيس الأمر بقدره وهي درجة عند الله، فاعلم.
وأما النور الثالث والعشرون: وهو نور التفضيل: فهو يكشف له (صلى الله عليه وسلم) على قدره بالنظر إلى الرسل (عليهم السلام)، ومقر له بأنه سيد ولد آدم (عليه السلام).
وقول الله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، فنحن في الأمم مثله هو في الأنبياء والرسل (عليهم السلام).
وأما النور الرابع والعشرون: وهو نور الإحاطة: فهو يكشف له أنه عين المعنى المجموع الذي إليه تصل العناية العلمية والعملية، ومع كل محمود محترم يشار إليه فهو الذي أحاط بها، وجميع ما تفرق في الأنبياء اجتمع به وله ولأمته وفي ملته (صلى الله عليه وسلم).
وأما النور الخامس والعشرون: وهو نور الحصر: فهو النور الذي يكشف له عن الخواص عن المراتب وعن المنامات حتى عن أقصر ما يمكن.
فإذا قدرنا أنه نالها لا يجد أحد بعده ما يطلب مثل ما تقول يتيمة الدهر عند الملك لا يملكها أحد معه كذلك القول فيه، فله الوسيلة والدرجة الرفيعة، فهذا هو الحصر فإنه الذي ملك الأوفى من الكل.
وأما النور السادس والعشرون: وهو نور العلامة والدلالة: فهو الذي كشف له (صلى الله عليه وسلم) صورة منتظرة ومعتبرة، فإن الكتب نطقت به، وكذلك الصنائع العلمية كلها حتى الكهانة.
পৃষ্ঠা ৭৯
ومن علاماته أيضا (صلى الله عليه وسلم) ما ظهر عليه (صلى الله عليه وسلم) حتى خاتم النبوة الذي بين كتفيه (صلى الله عليه وسلم) وما كان قط لأحد؛ ثم علامات صدقه المتأخرة.
وهذا يكشف له أنه كذلك وحده.
ومما ينبغي أن يقال لأهل الكتاب: هذا نبينا (صلى الله عليه وسلم)، قد أخبرنا عن أمور قد ظهرت بعده، حتى إن من بعض أتباعه لو تحدى بها لم يعلم حدود رسوله وجد الصواب في قطع الخصم وأنتم ما الذي أخبركم به هذه أنواره.
وأما النور السابع والعشرون: وهو نور الخصوصية: فهو الذي يكشف له أنه لا مقام أمامه ولأمر ما بعده والسعادة الإلهية فإنه نال ما منعه الغير في السعادة.
وأما النور الثامن والعشرون: وهو نور الخير المحض: فهو الذي يكشف له عن كمال ما ظهر منه وما بطن له، فإنه في نومه معصوم الخيال، وفي ذلك العلوم، وفي قيامه ويقظته لا ينطق عن الهوى، وفي عقله فلم تغلب قط شهوته عقله:
فإن علم الكتاب والفضائل على ما ينبغي، وعلم إذا أفرط في ذلك حتى قال الله تعالى:
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [الأحزاب: 34]، قيل: من السنة.
وأما النور التاسع والعشرون: فهو نور اللواء: وهو النور الذي يكشف له أنه ينشر مجده في القيامة.
وأما النور الثلاثون: وهو نور الانفراد: فهو الذي يكشف أنه (صلى الله عليه وسلم) خبر متبوع.
قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس [آل عمران: 110] فمتبوعها خير متبوع.
وأما النور الواحد والثلاثون: وهو نور العبودية: فهو يكشف له عن الإضافة الخاصة التي هي نفس المنعم فقط.
قال الله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى [الإسراء: 1].
পৃষ্ঠা ৮০
وأما النور الثاني والثلاثون: وهو نور التزكية: فهو يكشف له كونه (صلى الله عليه وسلم) حجة الله على العالمين.
وأما النور الثالث والثلاثون: وهو نور المكانة الكبرى: فهو الذي يكشف له عن جلاله (صلى الله عليه وسلم) في التكميل وفي التحديد وفي التتميم، وعوالم غير هذه ومعنى غير هذا كله.
وأيضا كون بعض أمته يتجلى لله خاصة وللناس عامة، وهذه مرتبة أعلى مما ذكر، وبهذا يكشف له (صلى الله عليه وسلم) عن أمر ما عند العقول منه ما تفرض مقدمة، ولا تضع قضية، ولا تنقل مخاطبة صناعية وهنا يجب الإمساك عليه فاعلم ذلك كله، وكيف كشف له حتى إن أمورا قل وجودها في الملائكة، فكيف في غيرهم! وهذا كشف لنا أنه في عوالم غير هذه، وبقى في ذلك.
قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء: 107].
فاعلم ولا تقل يا من هو من أهله إلا أنه هو النور المحض، وله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
كملت والحمد لله رب العالمين
পৃষ্ঠা ৮১
[شرح أنوار الأنوار المحمدية]
النور الأول وهو نور العزة:
فهو نور الشهادة التي تقال مع شهادة الله: هذا كشف عن عزته عند الله.
ومنها أيضا في جملة أحكام أمته (صلى الله عليه وسلم) فيها يتبع كالتشهد في الصلاة والأذان.
* قلت: وعزة الله بعزته في قوله: ولله العزة ولرسوله [المنافقون: 8].
ولله العزة ولرسوله بتيسير أسباب العزة، وهي: الاستقامة المحمدية الأزلية.
ولله العزة ولرسوله فقد ألقى الله عليه أستار العزة الإلهية.
ولله العزة ولرسوله : أي الامتناع وجلالة القدر.
ولله العزة ولرسوله : أي العزيز، ومعناه: الذي لا نظير له في خلق الله تعالى.
ولله العزة ولرسوله : أي له روح العزة؛ لأنه مظهر كمالات العزيز الحكيم، ولرسوله الذي هو القلب لا مرسل إلى القوى، كالسلطان إلى الجنة، ولا بد للخليفة من العزة الذاتية والإضافية.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين : أي وللمؤمنين الذين أعزهم الله بعزة نفسه وبعزة رسوله، فإنهم حزب الله الغالبون، وإنهم الجند المنصورون، فلهم الفعل الذي هو عين العزة، ولأعدائهم الانفعال الذي هو عين الذلة، فالمؤمنون في درجة الذكورة وإن كانوا إناثا، والمنافقون والكافرون في درجة الأنوثة وإن كانوا ذكروا، فعليك بالتشبه بالذكور حتى تكون مذكرا حقيقيا.
وقال الشيخ الأكبر في كتاب «التجليات» في الكلام على تجلي العزة ما نصه:
ما لك وللحق تعالى أية مناسبة بينك وبينه، وفي أي وجه تجتمع، اترك الحق للحق، فلا يعرف الحق إلا الحق، يقول الحق: وعزة الحق لا عرفت نفسك حتى أجليك لك، وأشهدك إياك، فكيف تعرفني، تأدب فما هلك امرؤ عرف قدره، واقتد بالمهتدين من عباده انتهى.
وقال فيه أيضا: في تجلي بأي عين تراه من زعم أنه يدركه على الحقيقة فقد جهل،
পৃষ্ঠা ৮২
وإنما يدركه المحدث من حيث نسبته إليه، كما علمه من حيث نسبته إليه.
وقال الشيخ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي، تلميذ الشيخ الأكبر وربيبه، في رسالة له سماها «مفتاح الغيب» ما نصه:
ولما كان الحق تعالى من حيث حقيقته في حجاب عزه لا نسبة بينه وبين ما ستراه، كما سبق التنبيه عليه، كان الخوض فيه من هذا الوجه، والتشوق إلى طلبه تضييعا للوقت، وطلبا لما لا يمكن تحصيله، ولا الظفر به إلا بوجه جلي، وهو أن وراء ما تعين به أمر به ظهر كل متعين لذلك.
قال سبحانه بلسان الرحمة والإرشاد: ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد [آل عمران: 30]، فمن رأفته أن اختار راحتهم، وحذرهم عن السعي في طلب ما لا يحصل، لكن لهذا الوجود الحق من حيث مرتبته عروض وظهور في نسب علمه التي هي الممكنات، ويتبع ذلك العروض والظهور أحكام وتفاصيل وآثار بها تتعلق المعرفة التفصيلية، وفيها ومنها يفهم الكلام، وأما ما وراء ذلك فلا لسان له، ولا خطاب يفصله، بل الإعراب عنه يزده إعجاما، والإفصاح إبهاما على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى. انتهى منه بلفظه.
ومثله للعارف بالله الجامي (قدس سره) في شرحه لنقش الفصوص الذي سماه نقض النصوص فراجعه.
وفي التعريفات للسيد الشريف الجرجاني ما نصه:
حجاب العزة هو العمى والحيرة؛ إذ لا تأثير للإدراكات الكثيفة في كنه الذات، فعدم نفوذها فيه حجاب لا يرتفع في حق الغير أبدا انتهى.
وفي كتاب «اللمع الأفقية» وهو كتاب التراجم للشيخ الأكبر في ترجمة المنة ما نصه:
حجاب العزة لا يرفع، ولا يمكن أن يرفع، وآخر حجاب يرفع رداء الكبرياء عن وجهه في جنة عدن، كما جاء الخبر عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
وقال القطب سيدي عبد الكريم الجيلي في كمالاته في الكلام على اسمه تعالى (الواسع)
পৃষ্ঠা ৮৩
ما نصه: والإنسان الكامل ولو عرف أنه هو الله، وتحقق بما تحقق به من الأسماء والصفات، فإنه لا يبلغ غاية الكنه الذاتي، ولا يستوفيه بوجه من الوجوه.
ولهذا قال الصديق الأكبر: العجز عن الإدراك إدراك.
وقال سيد المقربين، وخاتم المرسلين: «لا أحصي ثناء عليك (1)».
وقال تعالى: وما قدروا الله حق قدره [الأنعام: 91] يعني المقربين والكمل، المحققين من الأنبياء والمرسلين، ومن دونهم من الأولياء والصديقين، وسائر المؤمنين والكافرين جميعا ما قدروا الله حق قدره، بل هو فوق ما عرفوه، وقدره وراء ما قدروه فافهم. انتهى منه بلفظه.
وقال الشيخ الأكبر في شرحه لترجمان الأشواق:
كل من الخلق واقف خلف حجاب العزة الأحمى، وعند هذا الحجاب تنتهي علوم العالمين، ومعرفة العارفين، ولا يصح لأحد أن يتعدى هذا الحجاب ولو كان من أكابر الأحباب.
وقال سيدي علي بن وفا (رحمه الله): جلت ذات الحق تعالى أن تدخل تحت إحاطة علم أو إدراك انتهى.
قلت: وذكروا أن الحقيقة المحمدية من ورائها حجاب العزة، وهو حجاب الكبرياء والعظمة الذي لا ينخرق لأحد ثمة، وحينئذ فهما نوران حاجبان للخلق عن رؤية تجليات الحق: نور العزة الذي هو نور الكبرياء والعظمة، ونور الحقيقة المحمدية وهو الثاني.
والحقيقة أيضا دونها حجب الأنوار، فلا مطمع لأحد في الوصول إليها، ولا في تخطي الحجب المشرفة عليها، وعليه فتجليات الحق تعالى له (صلى الله عليه وسلم) كلها من وراء حجاب الكبرياء والعظمة، الذي هو وصف من أوصاف ذاته المعظمة.
পৃষ্ঠা ৮৪
النور الثاني وهو نور الغاية الإنسانية:
فهو شأنه الذي كان ليلة الإسراء، فإن الأنبياء خير البشر جاز عليهم في السموات، ثم تركهم وقطع عوالم الملأ.
فهذه نورانية كشف بها أنه وصل الغاية وبلغها، ثم وصل إلى محل الكروبيين، ثم إلى أكثر ثم إلى آخر العمارة الروحانية والجسمانية.
* قلت: قال الشيخ جعفر الكتناني رضي الله عنه:
قال الشيخ الأكبر في الفتوحات في الباب الثامن والتسعين ومائة في الفصل السابع والثلاثين ما نصه:
لما أراد الله تعالى كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لها بين يديه، وأعطاها جميع حقائق العالم، وتجلى لها في الأسماء كلها، فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية، وجعلهما روحا للعالم، وجعل أصناف العالم له كالأعضاء من الجسم للروح المدبر له، فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم، كما أنه إذا فارق منه ما فارق كان فراقه لذلك الصنف من العالم كالخدر لبعض الجوارح من الجسم فتتعطل تلك الجارحة؛ لكون الروح الحساس النامي فارقها كما تتعطل الدنيا بمفارقة الإنسان، فالدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه، فلما كان له هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين بذاته، فصحت له الخلافة وتدبير العالم وتفصيله انتهى.
ومنها: إنه مخلوق من ذات الله بلا واسطة، كما في الحديث الذي يذكره أرباب الكشف وهو: «أنا من الله والمؤمنين مني (1)» وهذا لم يكن لغيره.
وفي حق سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم): سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى قوله: لنريه من آياتنا أي: عجائب ملكنا وملكوتنا إنه هو السميع لتلك الآيات
পৃষ্ঠা ৮৫
البصير [الإسراء: 1] بها.
فالضمير في (إنه) يعود عليه (صلى الله عليه وسلم) كما هو المتبادر من الآية.
وذكره الشيخ الأكبر في «فتوحاته» فقال: إنه أسري به فرأى الآيات، وسمع صريف الأقلام، فكان يرى الآيات ويسمع فيها ما حظه السماع، وهو الصوت انتهى.
وقال في حقه أيضا: لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 18] يعني الآية الكبرى وهي حقيقته (عليه السلام)؛ إذ لم يخلق الله آية هي أكبر منها ولا أفخر ولا أعجب، كيف وهو أول المخلوقات، ولأجلها ومنها تفرعت الكائنات.
وقيل: معناه الآيات العظام: أي الآيات التي هي أكبر الآيات وأعظمها وأجلها، دفعا لما يتوهم من أنه إنما اطلع على الآيات الصغار، وكيف وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله تعالى، فالمناسب لقدره كبار الآيات لا صغارها، مما لم يكشف لأحد سواه (صلى الله عليه وسلم).
فإنه لما أسري به أتته ملائكة السماوات فما فوقها خاضعة طائعة، وأظهر الكل الانقياد له والدخول تحت حكمه وولايته، وجاءت لدعوته الأشجار والأحجار والحيوانات العجم، وكلمته بلسانها وسجدت له، وانقادت لأمره.
أسرى به ليلا من المسجد الحرام الأدنى، وعرج به إلى السماوات، وزاد به إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وكلمه كفاحا تكليما، وأمده من العلوم اللدنية والكونية بما لا يخطر ببال أحد، ولا هو حاصل في أمنيته، وتممها بالقطرة التي قطرت على لسانه ليلة الإسراء من بحر العلم الأزلي، وبيده الكريمة التي وضعها بين كتفيه تتميما.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي في التفسير في سورة (ص)، واللفظ له ولأحمد والمروزي في كتاب «الصلاة» عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «آتاني الليلة ربي»، وفي رواية أحمد: «أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة- أحسبه يعني في المنام- قال كذا في الحديث وفي رواية أحمد- أحسبه يعني في النوم- فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ؟ قال: قلت: لا».
পৃষ্ঠা ৮৬
قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال نحري- فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، ثم قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ؟ قال: قلت: نعم (1)». الحديث.
وقد أخرجه الترمذي (2) من حديث سلمة بن شبيب وعبد بن حميد قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس به ثم قال: قال أبو عيسى: يعني نفسه، وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلا.
ثم أخرجه ثانيا من حديث محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام يعني الدستوائي، حدثني أبي عن قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «آتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال: فيم يختصم الملأ؟ قلت: ربي لا أدري فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب ... (3)» الحديث.
وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم أخرج ثالثا من حديث محمد بن بشار: حدثنا معاذ بن هانئ، حدثنا أبو هانئ اليشكوري، حدثنا جهضم بن عبد الله عن يحيي بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام: أي وهو منظور الحبشي، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أنه حدثه عن مالك السكسكي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتبس عنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعا فثوب بالصلاة، فصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وتجوز في صلاته، فلما سلم دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا ثم قال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل، فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى انشغلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا
পৃষ্ঠা ৮৭