إني أظن بأنهم في ما يعللون غير صادقين، فهم في قلوبهم راغبون باحتلال يدوم، وعاملون له في سرهم - وفي جهرهم عندما الجهر يفيد، قلت: إني أظن - أحس بسوء القصد - ويجب أن أضيف إلى ذلك ما فيه الدليل، مما شاهدت على أني في ظني وفي حسي متحفظ معتدل.
أجل، قد شاهدت في رحلتي السورية الأخيرة ما يرفع بظني وحسي إلى منزلة اليقين، فما هذه الصروح الفخمة التي يبنيها الفرنسيس في المدن السورية الكبرى؟ لمعاهدهم التهذيبية، إنها تكذب سياسة المعاهدات والجلاء.
رأيت في الشام وحمص وحلب بنايات للبنك السوري اللبناني كبيرة جميلة فخمة، تعيد إلى الذهن كلمة من الكلمات النبوية: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا - اعمل لانتدابك كأنه دائم! اعمل لاحتلالك كأنه أبدي!
فهل أنت في ريب من ذلك؟ لولا يقين القوم أنهم ثابتو القدم في البلاد، أو أن الانتداب في الأقل ثابت وطيد، ولا يتغير - إذا ما تغير - إلا اسما، لما كانوا يبنون هذه الصروح في المدن السورية الكبرى لمعاهدهم المالية والاقتصادية، ولما كانت المدرسة العلمانية الفرنسية تشيد هذه الأبنية الكبيرة الجميلة في حلب وفي الشام.
فهلا انتبهنا وهلا فقهنا؟
إن الانتداب يطوق البلاد باقتصادياته وثقافته، ويجيش من أبناء هذه الثقافة جيشا ينفذ الكبير والصغير من أوامره، وإذا شئتم من الإيضاح المزيد، وفيه الحقائق مثبوتة بالوثائق، فدونكم وكتاب الدكتور عبد الرحمن الكيالي الذي نشر أخيرا.
1
هو ذا الانتداب، وربقته اليوم أمام عيوننا، وغدا تصير في رقاب أبنائنا، هو ذا الانتداب ونيره الثقيل علينا كلنا أجمعين - على تدمر ودمشق وعلى الأرز وصنين. فهل نظل أبدا منقسمين متنابذين متخاذلين؟ وهل نداوي أدواءنا القومية بالبكاء والأنين؟ وهلا يجب علينا أن نسهل لأبنائنا في الأقل سبل الجهاد، لإنقاذ البلاد وتحريرها من الاستعباد؟
ولسنا وحدنا في هذه المحنة الكبرى، لسنا وحدنا سائرين إلى الاستعباد، فالمصري والفلسطيني والعراقي يشكون ما نشكوه، ويئنون مما نئن وإن عندهم كما عندنا من يسمون روح الضعف شعورا لطيفا وإحساسا دقيقا، وينكرون هذا الإحساس وذاك الشعور، على ما يناضلون ويكافحون، ويجاهدون؛ ليخلصوا البلاد من الأدب الباكي، وهو للمسيطرين كإحدى كتائب جنودهم الاستعمارية.
وهب أن المجاهدين قساة القلوب، كما يزعمون غلاظ الرقاب، وأنهم لا يقدرون الشعور الرقيق في الشعر وفي الغناء فإن اليوم يومهم، ويا مرحبا بهم.
অজানা পৃষ্ঠা