87

والأوثان هنا هي أوثان المظاهر والألقاب لا أوثان المذاهب والأرباب ...

وقد نكب هذا البلد المسكين بداء الاستبداد القديم، فوقر في أخلاد بنيه على توالي العصور أن قيم الناس مرهونة بتقدير الحاكم المطلق المتصرف في الأقدار والمقامات، فلا قدر لإنسان بغير مظهر، ولا مقام لأحد بغير لقب، ولا جاه ولا حسب ولا علم ولا يقين بغير صيغة مرسومة في سجلات الدواوين ...

وبلغ من عبادة الأوثان أن «الصوفية» خلقت في هذا البلد منذ قرون، فما لبثت أن عاشت على المظاهر والألقاب، وعلى الشيع والأحزاب، بين عريف ووكيل ورئيس، وبين منتسب إلى هذا الضريح، ومنتسب إلى ذلك الهيكل، أو تلك الزاوية أو ذلك الكنيس ...! ومعهم كلهم ألوان من الشارات وأشتات من الرايات والفوانيس ... وإنهم لكذلك وهم يتصوفون ويتقشفون ، أو هكذا يقولون لينبذوا مظاهر الدنيا، وألقاب التعظيم والتقديس ...

وقبل أن تتحطم هذه الأوثان، يظهر في هذا البلد مخلوق وأي مخلوق، وقل إن شئت إنسان وأي إنسان ...

أديب مشهور، وليس بليسانس ولا دكتور.

وعضو في مجلس الأعيان، وليس في حوزته نصف فدان ...

وليس ببيك ولا باشا، ولكنه يقول للبيك والباشا: كلا وحاشا!

وصاحب أعوان وأنصار، وما هو بزعيم حزب ولا بصاحب عصبية، ولا مصطبة ولا دوار ...

وفقير جد فقير، ولكن ليس بهين ولا حقير ...

وصاحب قلم مسموع الصرير مرهوب النفير، ولكن ليس بصاحب صحيفة ولا بمدير، ولا برئيس تحرير، ولا سكرتير تحرير ...

অজানা পৃষ্ঠা