73

أول هذه الأسباب الرغبة الصادقة في النجاح، فإنني لا إخال أحدا ينجح في عمل لا يرغب في نجاحه.

ويلي هذا السبب الأول أن يعنى العامل بعمله لذاته، لا للنتيجة التي يترقبها من ورائه، سواء كانت ربحا من المادة أو شهرة على الألسنة أو وجاهة في المجتمع أو التاريخ.

وأقرر هذه الفكرة تقريرا آخر حين أقول: إن الذي خلق للأدب لا يتحول عنه إلى منهج آخر من مناهج العمل؛ لأن هذا المنهج يعطيه الربح والشهرة والوجاهة حيث يفقدها أو يتعذر عليه بلوغها في منهج الأدب ... ولعلي لا أخطئ التشبيه إذا قلت: إن مثل الأديب في هذا كمثل الأب الذي يعرض عليه أن يختار ولدا غير ولده يطيعه، ويسره بالفلاح والتقدم حيث يخيب ولده ويعصيه، فإنه لن يقبل هذا العرض مع يقينه برجحان الولد الناجح المطيع من غير ذريته على ولده المخفق المصر على العصيان ...

وسبب لا يقل عن الرغبة الصادقة والعمل للعمل لا للنتيجة المترقبة منه هو الثقة بالنفس والاستخفاف بالعقبات، وبإنكار المنكرين عن جهل أو حسد، أو تباين في الرأي والخليقة. •••

ولو أنني سئلت أن أرتب أسباب النجاح بالنسبة إلي لبدأت بهذا السبب وأخرت بعده جميع الأسباب.

ولو أنني سئلت عن الفضل فيه هل هو للقدرة والتعليم والظروف أو هو للسليقة المطبوعة ، لقسمت هذا الفضل بينها قسمين متعادلين، وزدت قسم السليقة المطبوعة بعض الزيادة في معظم الأحوال.

وبحمد الله، أقول إنني نجحت فيما قصدت إليه، وأنتهي بذلك إلى عبرة هذا النجاح، فألخصه في عوامله الغالبة التي لا يخلو منها نجاح في صناعة من الصناعات، وتلك هي الاهتداء إلى استعداد الفطرة، ثم صدق الرغبة في تحقيق ذلك الاستعداد، وصرف الجهد إلى العمل دون النتيجة المرتقبة منه، وتعزيز الثقة بالنفس أمام الموانع والعقبات.

ومن الحق أن أتبع هذا بالتفرقة بين النجاح وبين تحقيق كل ما يراد، وكل ما يرجوه المرء من نفسه ويرجوه عنه الناس.

فما من أحد يحقق كل ما يريد وكل ما يراد منه، وإن كان أنجح الناجحين، وإنما يقاس النجاح بما أستطيع فعلا، وبما يستطاع حقا لو اتسع الوقت وأسعدت الظروف. (3) تعلمت من أوقات الفراغ

أوقات العمل تملكنا ...

অজানা পৃষ্ঠা