إنني لا أزعم أنني مفرط في التواضع.
ولكنني أعلم علم اليقين أنني لم أعامل إنسانا قط معاملة صغير أو حقير، إلا أن يكون ذلك جزاء له على سوء أدب.
وأعلم علم اليقين أنني أمقت الغطرسة على خلق الله؛ ولهذا أحارب كل دكتاتور بما أستطيع، ولو لم تكن بيني وبينه صلة مكان أو زمان، كما حاربت هتلر ونابليون وآخرين.
وأنا لا أزعم أنني مفرط في الرقة واللين.
ولكنني أعلم علم اليقين أنني أجازف بحياتي، ولا أصبر على منظر مؤلم أو على شكاية ضعيف.
فعندما كنت في سجن مصر رجوت الطبيب أن يختار لي وقتا للرياضة غير الوقت الذي تنصب فيه آلة الجلد لعقوبة المسجونين.
فدهش الطبيب، ظن أنه يسمع نادرة من نوادر الأعاجيب ...
وقال لي في صراحة: ما كنت أتخيل أن أسمع مثل هذه الطلب من العقاد «الجبار».
وأصبت في السجن بنزلة حنجرية حادة حرمتني النوم وسلبتني الراحة، ولم تزل هذه النزلة الحنجرية عندي مقدمة لأخطر الأمراض كما حدث قبل نيف وعشرين سنة، ونجوت منها يومئذ بمعجزة من معجزات العلاج والعناية وتبديل الهواء، ومن أجل هذه النزلة الحنجرية ألبس في الشتاء تلك الكوفية التي علقتها الصحف الفكاهية في رقبتي لا تحل عنها في صيف أو شتاء، ولا في صبح أو مساء، حتى أوشكت أن تكون من علامات تحقيق الشخصية قبل الملامح والأعضاء.
وكانت زنزانة السجن التي اعتقلت بها على مقربة من أحواض الماء، شديدة الرطوبة والبرودة، يحيط بها الأسفلت من أسفلها إلى أعلاها، ولا تدخلها الشمس إلا بإشارة من بعيد.
অজানা পৃষ্ঠা