149

ولقد ورثت طبيعة الانطواء من أبي وأمي، فلا أمل الوحدة - وإن طالت - بغير قراءة ولا تسلية، ولا أزال أقضي الأيام على حدة؛ حيث يتعذر على الآخرين قضاء الساعات واللحظات.

كيف يتفق هذا؟ ... كيف يتفق الانطواء على النفس والخلو من العقد النفسية أو من الأسرار المكبوتة في اصطلاح النفسانيين المحدثين؟

هنا محل للاعتراف الذي قلنا: إنه خير وأجدى من تبادل الحجارة، فإن تفسير ما أعرفه من عادات طبيعتي خليق أن يصحح الأوهام عن معنى الانطواء، ومعنى العقد النفسية.

فليس كل انطواء كبتا للنفس، أو كتمانا لسر من الأسرار الخفية، وهناك فارق كبير بين السكوت خشية من الكلام، والسكوت لأنك لا ترى حاجة إلى الكلام.

فإذا سكت الإنسان خاشيا فهنالك عقدة نفسية، وإذا سكت الإنسان لأنه لا يشعر بالحاجة إلى الإفضاء والتصريح فلا عقدة هناك، ولا كتمان.

وقد تعودت أن أقول ما أريد حين أريد، فلا أعكف على العزلة كبتا ولا حذرا، ولا أحس التناقض بين الانطواء والاستراحة من آفات الكبت والعقد النفسية. •••

ويغلب على المنطوين أنهم لا يألفون الناس بسهولة، وأعترف بأنني واحد من المنطوين في هذه الخصلة ...

ولكنني أعترف كذلك بأن الألفة التي تصح بيني وبين أحد من الإخوان لا تنقطع ولا تتعرض للقطيعة باختياري، وقد يتعدى الأمر ألفة الإخوان إلى ألفة غيرهم من الأحياء والأشياء؛ فالحلاق الذي عرفته منذ ثلاثين سنة هو الحلاق الذي أعرفه اليوم، والطاهي الذي عمل عندي في سنة خمس وعشرين أو نحوها هو الطاهي الذي يعمل عندي في سنة خمسين أو إحدى وخمسين، بل أدع الأحياء من الآدميين، وأذكر المنزل الذي أقيم فيه، فهو مسكني منذ أربع وعشرين سنة، ولا أحسبني أسكن غيره ما دمت تسعني سكناه.

وأعترف إلى جانب هذا بأنني لا أعرف التوسط بين الحب والكراهية، ولا أريد أن أعرفه، وشعاري في ذلك هو شعار أبي إسحاق الصولي الذي قال:

خل النفاق لأهله

অজানা পৃষ্ঠা