أنا يأسرني الفن الجميل، حتى إنني أبكي في مشهد عاطفي أو درامي متقن الأداء، وأذكر أنني بكيت في أول فيلم أجنبي ناطق، وكان يمثله الممثل القديم «آل جولسون»، وكان مع «آل جولسون» طفل صغير يمثل دور الطفل الذي حرم من أمه، وظل هدفا للإهمال حتى مات ... وتأثرت من الفيلم وبكيت، ولم أستطع النوم في تلك الليلة، إلا بعد أن غسلت رأسي بالماء الساخن ثلاث مرات متتالية ... وأنا أستعين بغسيل الرأس بالماء الساخن على إبعاد الأفكار السوداء عني عندما تتملكني.
ومن صفاتي التي لا يعرفها الناس، أنني إذا عوملت بالتسامح لا أبدأ بالعدوان أبدا، وإذا هاجمني أحد فلا أرحمه، وقد قالت سارة عني ذات مرة: «إن من يظهر طرف السلاح للعقاد يا قاتل يا مقتول!»
ولدي صفة عجيبة أعتز بها أيما اعتزاز، وهي أن لدي حاسة سادسة لا تخطئ، ففي أحد الأيام - كنت بأسوان - سألت أخي فجأة عن صديق لي لم أكن قد رأيته منذ مدة، وفي المساء جاءتني برقية تنعى ذلك الصديق، وقد تبينت بعد ذلك أنه توفي في اللحظة نفسها التي تذكرته فيها، وقد تكررت مثل تلك الحوادث كثيرا حتى عرف عني أصدقائي هذه الصفة.
وأنا وفي جدا لأصدقائي من الأحياء والأموات، كما أنني وفي لذكرياتي، وأعتز بها كل الاعتزاز، وقد كنت شديد التعلق بوالدتي، وعندما كنت أزور أسوان كان أول ما أفعله هو أن أنزل من القطار وأهرع إلى غرفة والدتي، وألتصق بها ... فلما توفيت إلى رحمة الله لم أدخل غرفتها حتى الآن؛ كي لا أراها فارغة منها، حتى الشوارع التي كنت أغشاها مع صديقي المازني - رحمه الله - لم أستطع أن أغشاها بعد مماته، وصرت أتجنب ما يذكرني بفجيعتي فيهما حتى لا أحزن من جديد.
ولدت في أسوان
ولدت في أسوان يوم 28 يونيو سنة 1889، ولي إخوة أشقاء وغير أشقاء، فقد كان والدي متزوجا قبل والدتي، ثم ماتت زوجته، وبعدها تزوج أمي ... وكبير أشقائي أحمد، وكان يعمل سكرتيرا لمحكمة أسوان، وهو الآن على المعاش، وعبد اللطيف وهو تاجر، ولي شقيقة واحدة نحبها جميعا، وهي متزوجة تعيش في القاهرة إلى جواري، أما إخوتي غير الأشقاء، فهم جميعا أكبر مني سنا، وبعضهم يعيش في القاهرة، والبعض الآخر بأسوان.
بدأت حياتي الأدبية وأنا في التاسعة من عمري، وكانت أول قصيدة نظمتها في حياتي هي قصيدة مدح العلوم، وقلت فيها:
علم الحساب له مزايا جمة
وبه يزيد المرء في العرفان
والنحو قنطرة العلوم جميعها
অজানা পৃষ্ঠা