المتزاحمون الغارقون في العرق أمام الجمعيات الاستهلاكية، في ممرات الأتوبيس وعلى سلالمه، المتوقفون فراغا لمشاهدة خناقة، الجاعلون من «السلطة» على مائدة الإفطار مسألة حياة أو موت، تفننا في صنعها، انتقاء لمكوناتها وبهاراتها ومخللاتها .
وجوه ...
وجوه كثيرة تلمح بينها وجوه الأشقة العرب، وتستمتع بمرأى الكروش المصرية المتكومة باسم الله ما شاء الله تصنع لكل كرش رجلا ورأسا وملحقات. النساء وقد بدأت مودة الطويل تنتشر، أقصد الطويل التخين، فقد بدا واضحا جدا آثار مربة خرز البقر، وإلا فهي آثار «العلف» أو شيء لا بد شبيه بالعلف.
وجوه، ظللت طويلا، والكشافات تنصب على معظمها، أتأملها، أتأمل ما يرتسم على ملامحها من تعابير، وعبثا ما كنت أحاول، فالأبخرة الدسمة المتصاعدة من معدات تجأر بمحتويات الإفطار، والعرق المتصبب من تلقاء نفسه من صدور وبطون بالكاد تلهث لتؤدي وظائفها، بالكاد إذا تجشأت تتجشأ.
أنوار كاشفة مكشوفة مسلطة على وجوه لا تعكس الضوء، بعضها بالدسم يمتصه، وبعضها لقلة التغذية يمتصه أيضا، وحلبة متربة، والحضور المسرحي لا وجود له؛ فلا جماعة، وإنما عائلات وأفراد لا يجمعهم ذلك الرابط العام الذي يخلق جو العرض ويحيطه، حتى المهرج من فرط ما نحت دوره من خطوط تؤكد دوره كمهرج، لا يهرج. العمال الذين يقومون بالإعداد للألعاب يرتدون «بدلا» لا بد أن أصلها كان شيئا آخر، ربما لباس صعيدي، ربما قلع مركب ربما ممسحة بلاط. زرقاء كل بدل العمال زرقاء. ولكن كل أزرق منها له لون، وفيها زرار، على الأقل لمحت زرارين، ومع هذا فجميع بنطلوناتها بلا زراير وبلا أحزمة أو بأحزمة تصلب الوسط فقط وتترك البنطلون يأخذ الوضع الذي يحلو له وينفتح من أمام بأي مطلق من الحرية يراه. المنضدة التي تقدم عليها لعبة الوقوف فوق الزجاجات والتي لو كان بها أي خلل ممكن أن تودي بحياة اللاعب، لا تصلح أصلا للارتكاز على أربع، وإنما لا بد لها من سنادات، ولا بد أن تتأمل حكمة الكون أو تفكر في اعتزال الدنيا وأنت ترى منضدة المطبخ تلك، التي لم تطل من عشر سنوات، وأربعة عمال بأربعة أقراص مدورة بأربعة بنطلونات مفتوحة بأربع جاكتات «زعر»، يدخلون، ليزنوا الأرجل الأربعة. ما فائدة أن أتحدث عن اللعبة نفسها إذا كان هذا هو حال المنضدة، وإذا كان حال اللاعبة التي تزامل اللاعب ومفروض أن تساعده أدهى؛ ذلك أنها سمينة إلى درجة مزعجة ترتدي جوربا من جوارب «الباليه»، جورب من سمك الجسد والأرجل والأرداف التي يحتويها ومن طول ما احتواها، تفتق في أكثر من مكان (ربما لهذا سموها؛ أي ذلك الغذاء المسمن، المفتقة). فأنا لن أتحدث عن اللعبة أو حتى لو كان صاروخ قد أطلقته فتاة كتلك من فوق منضدة كهذه المنضدة ليصل إلى القمر، حتى لو تمت بهذه الأزياء والمناضد والجوارب جراحة تحيل الدودة إلى إنسان، فالمعجزة، أي معجزة، تكون قد انتهت من نفسك قبل أن تبدأ، انتهت، وانتهت معها ليلة من ليالي العمر، فالسيرك قام، ليخلب اللب، ليبهر، لينقلك إلى عالم غريب حافل بالألوان والبطولات والجمال والمعجزات.
ولكن اللعبة الخطرة كانت قد بدأت.
لعبة ترويض الأسود. •••
هي لحظة.
ولكن ليلة كهذه يكفيها لحظة تحس فيها أنك حقيقة تنفعل وأنك حقيقة في سيرك.
ولكن، حتى هذه اللحظة أفسدها علي ذلك السؤال الملح: من أين جاءني ذلك الشعور أن شيئا ما سيحدث؟
অজানা পৃষ্ঠা