وأخذت قلمي وجعلت أكتب ولا أدري ماذا أريد أن أكتب، ولكن الأشباح التي كان حمادة يتحدث عنها صارت تطاردني وأنا أكتب، وكان قلمي يسرع كأنه يريد أن يجد هو الآخر سبيلا إلى الهروب.
ولما تعبت من الكتابة وضعت يدي على رأسه فوجدته يتقد حرارة ، ولكني لم أتوقف عن الكتابة، وكلما فرغت من ورقة ألقيت بها على الأرض فتطير وتقع حيث تشاء، ولم أشعر بمضي الوقت وكنت لا أكاد أعي ما أكتب، وكلت يدي من الكتابة، ولكني لم أتوقف حتى فرغت من القصة، ولست أدري أكان فراغي منها هو الذي جعلني أحس الإعياء أم أن الإعياء هو الذي جعلني أفرغ منها، وقمت أترنح حتى استلقيت على سريري بملابسي، وكان رأسي يدور ويهتز كأن في داخله عاصفة، وكانت عضلات جسمي تنبض كما ترف العين، وأحسست في ظهر وعيي طرقا على الباب، ولم أعرف من الطارق، وكان آخر ما أذكر أني رأيت وأنا مغمض عيني كأن شريطا أغبر اللون يمر أمام بصري في سرعة.
الفصل الثامن
فتحت عيني على أثر لمسة فوق جبيني، ورأيت أمي جالسة إلى جانبي وهي تضع منديلا مبللا على رأسي، وشممت رائحة «كولونيا»، وكانت أختي منيرة واقفة على بعد خطوة منها جاعلة ذراعيها على صدرها، وتنظر نحوي في لهفة وعلى وجهها ابتسامة حزينة، ولمحت شخصا آخر يقف في الناحية الأخرى من المنضدة التي في وسط الغرفة، وسمعته يقول: «صباح الخير يا سيد.» وكان صوت عبد الحميد عباد، فهمست بصوت خافت: «ماذا جرى؟»
وقالت أمي في ابتسامة ضئيلة: كيف أنت يا سيد؟ وكانت الدموع تملأ عينيها.
وأردت أن أتحرك لأجلس، ولكن وسطي ومفاصلي وعيناي آلمتني، فعدلت عن الحركة وبدأت أسعل سعالا شديدا، فذهبت منيرة إلى المنضدة وملأت ملعقة من زجاجة هناك وجاءت إلي لأشربها، وقالت وهي تتظاهر بالمرح: «أخرج هذا البرد الذي ملأ جسمك.»
فاستسلمت لها وشربت الدواء، فمدت منيرة يدها إلي بمقياس الحرارة، ففتحت فمي هادئا كأني طفل مطيع، وعدت أسأل سؤال عندما أخرجت منيرة مقياس الحرارة من فمي فقلت: ماذا جرى؟
فقال عبد الحميد: «المسألة بسيطة. كنت غائبا عن الوعي منذ يومين، ثم بدأت تفيق الآن، وكانت حرارتك أربعين درجة فصارت الآن سبعة وثلاثين.»
ولم يدهشني هذا الخبر كأني كنت أعرفه من قبل، وبدأت أتذكر أني كنت أكتب قصة، فحركت رأسي لأنظر إلى أرض الغرفة قائلا: ألم تكن هنا أوراق؟
فقال عبد الحميد في مرح: عظيمة يا أستاذ سيد، ولماذا لا تكتب على كل ورقة رقمها؟ وجدت صعوبة كبيرة في ترتيب الأوراق قبل أن أقرأها.
অজানা পৃষ্ঠা