فقال: ولماذا تغضب يا أخي؟ كل منا له أجرته: أنا خمسة وأنت مائة، هذا أقل ما يلزم، النهاية يا عم أنا تحت الأمر، وإذا احتجت إلى شيء فأنا في خدمتك، سكرتير، محصل، وكيل، كما تشاء، أي خدمة.
فقلت في دفعة: ما هذه الألغاز يا حمادة؟
فقال: اسمع يا عم: جيبي عامر وريقي ناشف وجوفي خال. ها. ها. ها.
وانصرف عني فجأة بغير أن أعرف معنى أقواله، ولكني لم أقف طويلا عند هرائه المخمور.
وكنت لم أطعم شيئا منذ الصباح، فعرجت على مطعم يبيع الفول المدمس وأكلت بشاهية عظيمة، ثم شربت فنجانا من الشاي في قهوة مجاورة له، وجلست أستعرض مناظر يومي منذ جاءني حمادة الأصفر في منزلي، وعاد إلي شعور الضيق الذي كان يملأ صدري، وعاودني سؤالي القديم بتردد في إلحاح: ماذا أقصد في هذه الحياة؟ وبدت لي حياة فارغة لا يملؤها شيء، بل تطفو وهي جوفاء مع دفعات التيار الذي يتقاذف بها، لم أفلح عاملا ولا تاجرا كما لم أفلح طالبا، واتجهت كالحائر قبل المشرق والمغرب واصطدمت في كل مرة في آخر سيرى بنهاية الطريق، فعرفت أني أسير في عطفة مسدودة.
وقمت من القهوة أسير في الطريق لا أقصد إلى وجهة، فدخلت شارع المديرية ثم شارع السوق، ووصلت آخر الأمر إلى شارع «أبو الريش»، وكانت الطريق المؤدية إلى محلج السيد أحمد جلال تتلألأ بأنوار المصابيح القوية، وباب المحلج يبدو من بعيد مثل قصر مزخرف بباقات من الأضواء الملونة، فعرجت إلى يساري ودخلت إلى السرادق الكبير الذي كان في رحبة المحلج، وكان السيد أحمد جلال جالسا في الصدر، فلما وقع بصره علي ناداني في مودة: تفضل يا سيد أفندي!
وقام لاستقبالي، فاتجهت الأنظار نحوي، وقام من هناك وقوفا مع السيد أحمد، فسلمت بتحية عامة بعد أن صافحت السيد، واستأنف الجالسون الحديث، فقال السيد أحمد: نحن نتحدث عن هؤلاء الذين يستعينون بالحكومة علينا يا سيد أفندي، مع أنهم يقولون إن الانتخابات حرة.
فصاح مصطفى عجوة: دعهم يفعلون ما يشاءون فنحن الأقوياء، الشعب يغرق أصواتهم.
ونظر إلي وكان وجهه أزرق محتقنا من التحمس، فوضعت يدي على وجهي لأداري ابتسامتي، والتفت السيد نحوي قائلا: وما رأيك يا سيد أفندي؟
فقلت: في أي شيء؟
অজানা পৃষ্ঠা