فقلت مغتاظا: وماذا أعمل وأنت تسألني؟
فقال في جفاء: هذا شيء عادي يحدث كل يوم.
وهم أن ينصرف.
فقلت في حنق: أليس لهذه اللوز الملتهبة دواء؟ أظن واجبك لا يقتصر على كتابة شهادة وفاتي.
فقال غاضبا: لم أنتظر تشريفك حتى تعلمني واجبي.
وأدار ظهره وانصرف، وسمعت وقع الأقدام تتباعد وأنا في شبه غيبوبة.
ولم أعرف ماذا حدث بعد ذلك حتى صحوت لأجد نفسي في غرفة أخرى وإلى جنبي سيدة في ملابس الممرضات، ولما هممت بالقيام قالت في لهجة أجنبية: أرجوك أن تهدأ الآن.
الفصل السادس والعشرون
مرت ساعة طويلة قبل أن أعرف أني في مستشفى الحميات، وأني نقلت إليه في الساعة السابعة من الصباح، وعاد إلي شيء من القوة في ساعة الظهر فاستطعت أن آكل الطعام اليسير الذي قدم إلي، ولم يأت الليل حتى كنت أقدر على الحديث، وجاءت السيدة التي رأيتها من قبل وهي كبيرة الممرضات فقاست حرارتي وكانت تزيد درجة واحدة عن الحرارة الطبيعية، وأخذت تحدثني وكانت نفسي مستوحشة فوجدت في ثرثرتها أنسا كبيرا، ثم أخذت تربط ذراعي من فوق المرفق ومن تحته لتأخذ عينة من الدم، فلما أتممت عملها أهدت إلي قصة لأتسلى بقراءتها، وهي امرأة في نحو الخمسين من عمرها وما يزال فيها أثر من نضرة الشباب والجمال، وزادتها طبيعتها العاطفة حسنا ورقة.
وبعد أن قضيت بضعة أيام في المستشفى بدأت العلاقة تتوثق بيني وبين من هناك من الممرضين والموظفين، بل توثقت الصلة بيني وبين حراسي وهم من جنود الرديف، وكان أقربهم إلى مودتي الفتى «مجاهد» الذي كان ينتظر انتهاء مدته في الجندية، ليعود إلى قريته ويتزوج من ابنة عمه «هنا»، فكان كلما جاءت نوبته وقف عند باب حجرتي في حديقة المستشفى واضعا بندقيته بين قدميه، وأخذ يحدثني عن نفسه وأهله وعروسه «هنا».
অজানা পৃষ্ঠা