157

واستقبلني عبد الحميد كأنه على موعد سابق مني، فصافحني في حرارة ولكنه لم يظهر دهشة، ولمحت على وجهه نحولا أشد مما لمحته في المرة السابقة، وكانت حلقة زرقاء تحيط بعينيه، وخيل إلي أن ظهره بدأ يتقوس، ولكن الابتسامة التي أضاءت وجهه أزالت عني شعور الوجوم الذي هجم علي عندما وقعت عيني عليه، ودخلنا إلى الغرفة القديمة، وبدأنا نتحدث في السياسة، السياسة دائما! وقلت لأغير الحديث: كيف أنت؟

فقال: كما تراني، وكيف حالك أنت؟

فقلت: كما كنت منذ سميتني دون كيشوت.

فابتسم صامتا وانتظر أن أستمر في الحديث فقلت: لم تكن مخطئا عندما سميتني بهذا الاسم، وأرجو أن تكون صديقا عاطفا كما كان سانكو بانزا.

فقال: إذا شئت أن يكون الشبه واضحا كل الوضوح، فأرجو أن أعرف هل تمكنت من الفوز بقلب الأميرة الجميلة.

فقلت: لك أن تقول ما شئت ولكن ...

فقاطعني قائلا: أليس من العجيب أنك لا تجرؤ أن تقول لها إنك تحبها؟ هل تحبها حقا؟

فقلت: ماذا يدعوك لهذا السؤال؟

فقال: الناس كثيرا ما يغرمون بالخيال ويفرون من الحقيقة، كثير من الشعراء الذين ملئوا الدنيا بكاء وغناء كانوا لا يحبون النساء أنفسهن بقدر ما كانوا يحبون صورهن الخيالية، فإذا أتيحت لهم الفرصة للفوز بمن يحبون سكت غناؤهم فجأة، وكثيرا منهم أصيبوا بالخيبة.

فقلت في حنق: وماذا تقصد بهذا؟

অজানা পৃষ্ঠা