145

ونظرت إليه لحظة في صمت وخيل إلي أني أرى أمامي أنقاض إنسان محطم، وشعرت من أجله بحزن صادق، وقلت له في رقة: أنا مستعد يا حمادة أن أمد يدي إليك، وإن كنت واثقا أني أمدها إلى الثعبان الجريح الذي لا يتردد أن يفرغ فيها سمه إذا استطاع أن يصل بأنيابه إليها.

وكان ينظر نحوي نظرة خاوية تدل على أنه كان غائبا بفكره عني، وكان تعبير وجهه ينم عن ألم داخلي من معركة عنيفة، وشعرت بأنني حيال جدار منيع يحول بيني وبين الوصول إلى قرارة نفس ذلك الرجل الهزيل الجالس أمامي، وإن كنت أقدر على أن أصرع جسمه النحيل بضربة واحدة من يدي، كان واضحا أن ذلك الرجل ينطوي على فطرة وحشية عنيفة عنيدة تستعصي على إرادتي وتتملص من كل محاولاتي في تأنيسها.

ولبثنا مدة غير قصيرة ونحن صامتان، وكل منا يتحدث مع نفسه، وتحرك هو آخر الأمر واقفا، وقال: تريد أن تضحك علي يا أستاذ؟

فزممت شفتي بحركة غير إرادية، وقمت صامتا، وسرت أمامه مطرقا حتى خرجنا إلى الحارة، وهممت أن أدخل وأغلق الباب ورائي، ولكنه وقف مترددا ثم قال: يعني لا تريد أن أخرج بشيء؟

فقلت منفجرا: ابعد عني أيها الأحمق، ولا ترني وجهك هنا.

فقال في خشوع: أشكرك يا سيد أفندي. ليس هذا الكلام جديدا علي، كل الناس يقولون لي مثل هذا.

فقلت في جفاء: وماذا تريد؟

فقال في وقاحة: قطعة من الغنيمة.

ولم أجد فائدة في مناقشته، وقلت له في اختصار: وفي نظير ذلك؟

فوضع يده في عبه وأخرج منه أوراقا وهو يتراجع إلى الوراء كأنه يخشى أن أخطفها، فخفق قلبي شديدا، وقلت له في صوت أجش: وما أدراني ما هذه الأوراق؟ ما أدراني أنها تافهة لا تساوي قرشا واحدا.

অজানা পৃষ্ঠা