حاصرني الموت بوفاة صديقي المرح الشاعر «محمد صالح»، وكتبت: «يا محمد مش إنت لوحدك اللي تعبت.» وكتبت في «المصري اليوم» خواطر بين عامين. في هولندا، أتت «إيستر نيلسون» من أمريكا بعد كتابنا معا عن حياتي، صوت المنفى، عام ألفين وأربعة؛ لكي نعد كتابا جديدا باللغة الإنجليزية، وتقضي أسبوعا تسجل فيه حواراتنا، ثم تعود وتكتب النص. وأتصور أن تكون النقاط الرئيسية للكتاب فترة ما قبل القرآن، ثم فترة نزول القرآن، ويليها فترة ما بعد نزول القرآن حتى العصر الحديث، ثم عصرنا الحديث حتى الآن. وفترة ما قبل القرآن نتحرك فيها من الماكرو؛ أي الجزيرة العربية في العالم، ثم الحجاز ومكة في جزيرة العرب. وفي فترة القرآن تتعامل مع القرآن على مدار ثلاثة وعشرين عاما، حتى وفاة النبي محمد. ثم الفترة التالية من وفاة النبي إلى بدايات العصر الحديث عند المسلمين في القرن الثامن عشر، ثم عصرنا الحديث بمراحله حتى لحظتنا الراهنة، التي تعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر نقطة مفصلية؛ فبعدها ازداد الاهتمام بدراسة الإسلام، ولكن في نفس الوقت ازداد الرفض للمسلمين، خصوصا من يعيش منهم في الغرب، وكأن الإسلام وضع خلف القضبان بعد الحادي عشر من سبتمبر، وعليه أن يدافع عن ذاته.
زرت لبنان، والتقيت ناشري وصديقي «حسن ياغي»، وأعطيته بعض الأوراق، وعرضت عليه ما أفكر في عمله من ترجمة للموسوعة القرآنية التي كنت من المشرفين على تحريرها في جامعة «لايدن»، وقد استطعت تقريبا إيجاد من يمول ترجمتها إلى اللغة العربية، وعرضت عليه البدء في مشروع تفسيري للقرآن بكتاب أولي أعرض فيه نقدا للتفاسير السابقة، وأعرض نماذج من التفسير، وكيف يمكن التعامل مع القرآن. وقمت ببعض الأنشطة من مقابلات تلفزيونية ومحاضرات. ونشرت مجلة «الأوان» الإلكترونية أربع مقالات في شهر أبريل عن أزمة الفكر الإسلامي المعاصر، كتبت فيها عن «الخوف على الثوابت والقطعيات»، وعن «الحجاب والنقاب»، وعن «الفزع من العلمانية، فصل الدين عن الدولة»، ثم سافرت إلى إيطاليا لإلقاء محاضرتين، ومنها في شهر مايو مباشرة إلى إندونيسيا، لألتقي «علي مبروك»، ونبدأ في تنفيذ ما تناقشنا حوله أكاديميا في المعهد العالمي للدراسات القرآنية، مشروع العمر، على أن أعود إلى هولندا في الخامس والعشرين من شهر يونيو، حيث ستحتفل الجامعة بخروجي إلى المعاش، والذي اختارت له الجامعة عنوان «كيف يمكن أن نقدم إسلاما ذا وجه إنساني؟» كل المسائل قد أصبحت واضحة أمامي، وعندي إجابات لأسئلة كثيرة مما وقف أمامه القدماء والمحدثون في تعاملهم مع القرآن، وأريد أن أضعها على الورق.
السفر إلى إندونيسيا، حيث سألتقي هناك «علي مبروك»، و«ألان تايلور»، و«رافي كرشنا مرثي»؛ فبعد أن وضعنا الأساس الفكري للمعهد الدولي للدراسات القرآنية، سنسعى للتواصل مع المفكرين والباحثين وعلماء الدين الإندونيسيين لطرح الموضوع الفكري عليهم ومناقشته معهم، وعمل مجموعة من المحاضرات خلال الشهر والنصف القادمين. تأخرت رحلتي بسبب سحابة بركانية، فوصلت متأخرا يوما، لكن وجدتهم هناك. وذهبنا لثلاثة أيام إلى أحد مزارع البن، منطقة لوساري بجاوة الوسطى، خلابة الطبيعة؛ للصفاء والاختلاء بالنفس وللتفكير العميق، نسكن في أكواخ بها فريق العمل، أشعر بصفاء غريب واتقاد ذهني وسماح روحي، حتى إن «رافي» علمنا بعض تمرينات لليوجا؛ فها هو حلم ومشروع عمري تبدأ خطوات تحقيقه؛ معهد دولي للدراسات القرآنية، يكون ساحة للعمل والبحث الأكاديمي بعيدا عن مجرد التكرار والإعادة بلا إفادة التي تعيش فيها جامعاتنا الدينية في العالم الإسلامي. انتهت الأيام الثلاثة لنعود إلى فندق جراند حياة بجاكارتا لمزيد من اللقاءات والمحاضرات. •••
لاحظ «علي مبروك» خلال الفصل الدراسي فترات طويلة من الصمت وعدم المشاركة من «نصر»، بعد أن كان دائم النقاش خلال الأيام الأولى، ولاحظ شروده الطويل، وشعر بقلق عليه، فاتصل ب «ابتهال» بالقاهرة، والتي كانت بدأت تلاحظ بعض التغير في محادثات «نصر» لها. واتفقا على أن يعود «نصر» وعلي إلى القاهرة بأقصى سرعة؛ فعادا إلى القاهرة يوم الخميس السادس والعشرين من أبريل. وكان «نصر» حاضر الذهن، وكان في انتظارهم «ابتهال» بالمطار. دخل «نصر أبو زيد» إلى المستشفى في مدينة السادس من أكتوبر، ولم يكن فاقد الوعي، وتم فحصه فحصا شاملا، وتم تشخيص المرض بفيروس يصيب خلايا المخ، وهو مرض عادي، وبدأت تتحسن حالته نسبيا، لكنه كان يعاني منذ فترة طويلة حساسية في الصدر، فسببت خراطيم التغذية نوعا من الالتهاب الرئوي الذي أدى لرحيله، صباح الإثنين الخامس من يوليو عام ألفين وعشرة، قبل خمسة أيام من عيد ميلاده السابع والستين؛ ليعود إلى قريته «قحافة»، مركز طنطا محافظة الغربية، مرة أخيرة.
إلى لقاء.
بروكلين، أكتوبر 2012م
زهور الرحيق
امتحت رحيق هذه القصة من:
تسجيلات صوتية
عشرون ساعة تسجيلات صوتية ل «نصر أبو زيد»، يتحدث فيها عن حياته، أجراها معه «شريفة مجدي» و«نافيد كرماني»، لكتابهما عن سيرته الذاتية ليصدر باللغة الألمانية.
অজানা পৃষ্ঠা