باب ما يعرض للطالب من المكاره في كتاب كليلة ودمة: ينبغي للعاقل أن يقرن رجاء النجح والسلامة بخوف الإكداء والنكبة، ولا خير في الشيء الذي في عاجله مال وجاه وفي آجله الجائحة والتلف. وفي الأمثال: رب طلب قد جر إلى حرب، ورب مطمعة تعود ذباحا. وسقط العشاء به على سرحان. قيل ذلك لرجل خرج في طلب ما يتعشى به فأكله الذئب. وفي الأمثال كالباحث عن المدية.
وأصل ذلك أن تيسا بحث عن شيء يأكله فوقع على مدية ذبح بها. قال صالح بن عبد القدوس:
وكم من ملح على بغية ... وفيها منيته لو شعر
وكم تارك حظه بعدما ... أزيد من حظه واقتدر
قال بعض الحكماء: خل عما تهوى تنج مما تخشى. وفي كلام لبعض الأعراب: ربما أثمر الأمل أجلا ونتجت الأمنية منية وأنشدني الليث:
ورب سلامة تدعو ... إلى الآفات والعلل
ومطمعة بها حقا ... تكون بديهة الأجل
وقال بعض الأعراب: طالب الفلاح كالضارب بالقداح سهم له وسهم عليه. وللفارسي: نه هر جاكه دوذ آيد دير برتك توكداني نهند. يقول: ليس كل دخان طبيخ ربما كان دخان كي.
المعنى: لا تطمع في كل شيء حتى تختبره. وللعرب في هذا: لا تطمع في كل ما تسمع. قال عبيد الله: من حاول أمرا بمعصية كان أفوت لما رجي وأقرب لمجيء ما اتقي. إن الحوائج جمة منها اليسيرة والمنيعة، فاحذر تنجز حاجة توفي على شرف القطيعة. انشدني هشام بن محمد للعتابي.
فإن جسيمات الأمور مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود
عبيد الله: أما بعد فإن الجد في الطلب يعرض صاحبه للعطب فتبصر في العواقب، فقد قيل: من لم ينظر في العواقب فليس للأمور بصاحب.
باب الإجمال في الطلب
قيل لبزر جمهر: متى يكون الإكداء خيرا من النجح؟. قال: إذا أكدى بك الإجمال وأنجح بك سوء الطلب. قال الحسن البصري: لا تجاهد الطلب جهاد المغالب واتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال في الطلب من العفة. وليست العفة بدافعة رزقا ولا الحرص بجالب فضلا، لكن الرزق مقدور واستعمال الحرص اكتساب المأثم.
وفي كتاب كليلة ودمة: ينبغي للعاقل أن يكون إدخاله يده في فم التنين وابتلاعه سمه أهون عليه من مسألة اللئيم. قال إبراهيم بن حفصة لابنه: يا بني صن شكرك عمن لا يستحقه واطلب المعروف ممن يحسن طلبك إليه واستر ماء وجهك بقناعتك وتسل عن الدنيا كتجافيها عن الكرام.
قال علي بن أبي طالب عليه السلام: مسألة الرجل السلطان كمسألة والده لا يشينه ولا ينقصه. قال بزرجمهر: أشد من الحاجة أن تكون إلى غير أهلها. قال آخر: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها.
قال أكثم بن صيفي: خير ما فاتك ما توقي بفوته عرضك. ومن هنا أخذ الباهلي قوله:
ما سؤتني اذا وضعت الثقل عن عنقي ... بمنع رفدك اذا أخطأت في طلبي
اعتضت من ذاك عزا باقيا وحميا ... للعرض مني وإبقاء على حسبي
قال بعض الحكماء: لا تسأل من لا يشفع لك عنده رغبة في الشكر أو يعينك عليه نية في المعروف. وقيل: مكتوب في التوراة: ابن آدم لا تسأل الناس، فإن كنت لا بد فاعلا فسل معادن الخير ترجع مغبوطا محسودا.
للباهلي وقيل للعلوي البصري:
ولست بنظار الى جانب الغنى ... اذا كانت العلياء من جانب الفقر
آخر:
وأعسر أحيانا فتشتد عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
قال: وأتنشدني ابن أبي الأشعث:
سل الخير أهل الخير قدما ولا تسل ... فتى ذاق طعم العيش منذ قريب
قال بعض الحكماء: من أمل فاجرا كان ادنى عقوبته الحرمان.
قال أبو سعيد: سمعت أعرابيا يقول لأخيه: قد كنت نهيتك عن مسألة قوم أرزاقهم من ألسنة الموازين وأفواه المكاييل.
وأنشدني محمد بن إسحق:
لئن أخطأت في مدح ... ك ما أخطأت في منعي
فقد أحللت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
عربي:
أملي فيك غرني فأقلني ... مدحي فيك يا أبا عدنان
إن من ضيع الرجاء حقيق ... أن يجازى عليه بالحرمان
قال زيد بن نشيط لوهب الشاعر: ما الاجمال؟ قال: أن لا تسأل مثلك. وأنشدني وهب:
পৃষ্ঠা ৭