আশা ও ইউটোপিয়া
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
জনগুলি
لأنها توحي بأن أ في هذه اللحظة الراهنة ليست هي أ نفسها، ولكنها من ناحية المبدأ أو من جهة القوة والإمكان والاستعداد - إذا شئنا أن نستخدم لغة أرسطو وليبنتز - نستطيع أن نتعرف فيها الآن على ا ، وإن كانت في حالتها الراهنة لا تزال شيئا مختلفا عنها أشد الاختلاف.
لا شك أن هذه الفكرة يمكن أن يساء فهمها، ومن الممكن أن تضع فلسفة بلوخ في مهب الريح، وقد يقول البعض كيف يمكننا تسمية شيء بغير اسمه الصحيح بحجة أنه يمكن أن يكون صحيحا في المستقبل؟ وقد يقول البعض كيف نجازف في هذه الحالة بإصدار حكم على الوجود على أساس عاطفي هش هو الأمل أو الرجاء؟ الحق أن تبديد هذا الظن يتوقف على التمسك بالنظرة الجدلية والتعويل على إرادة الإنسان ووعيه الثوري ... ولنبتعد عن الأنطولوجيا قليلا ونضرب مثلا من الحياة؛ فهل نسمي المجتمع الذي ينتج وسائل القهر والقمع والتعذيب وأبشع الجرائم والحروب بأنه مجتمع إنساني أم بأنه لا إنساني؟! وهل نظلم الحقيقة إذا وصفنا البشر الذين يعيشون فيه، أو على الأقل المسئولين عن تلك الشرور، بأنهم ليسوا بشرا؟ نعم إن الإنسان في مثل هذه المجتمعات يفتقر إلى هويته الإنسانية بسبب ظروف مختلفة ومعقدة، ولكنه يمكن أن يتحد بهويته الجوهرية إذا تغيرت هذه الظروف، لأن اللا-إنسان الذي تزيد وحشيته أحيانا عن الوحش لا يزال إنسانا بحكم الطبيعة والإمكان، وإن لم يبلغ في ظل الوضع القائم مبلغ الإنسان، فإذا أضفنا كلمة «بعد» إلى العبارة المتناقضة: أ ليست هي أ، أو أ = لا أ وجعلناها أ لم تصبح بعد هي أ، فإن ذلك ينطوي على إضافة قيمة معيارية إلى أ تعطيها فرصة التحقيق في المستقبل، على الرغم من عدم تحققها في واقع الأفراد الذين ينتمون إلى فئتها أو نمطها الكلي، ومعنى هذا - إذا شئنا أن نستخدم لغة أفلاطون - أن هنالك درجات في الاقتراب من الوجود الحق، أو من الوجود العام لكل موجود.
بهذا تكون الفكرة المحورية التي عبرت عنها صيغة بلوخ السابقة قد تمخضت عن نتائج ميتافيزيقية وإنسانية (أنطولوجية وأنثروبولوجية) بالغة الأهمية على الرغم من مشكلاتها العديدة التي تصدم الفكر وتتحداه. فإذا كان كل موجود يتحدد بمجموعة من الخصائص الجوهرية، أمكن مع غياب هذه الخصائص أو نقصها أن نحكم بوجود هذا الموجود، وأن يحدد هذا الحكم بصورة أدق فيقال إن وجوده غير كامل، بحيث يترك للزمن أن يضيف الخصائص الناقصة، على نحو ما يقال إن المولود يفتقر إلى بعض القدرات والاستعدادات التي سيستكملها مع النمو والتقدم في العمر، وإن لم يمنع هذا من وصفه من البداية بأنه إنسان، ومعنى هذا مرة أخرى أن هوية أ مع ذاتها موجودة في هذه الصيغة «أ وجود لم يتحقق بعد.» أي وجود على نحو ناقص أو على وجهة السلب. بذلك تحل الصيرورة اللامتناهية محل الوجود الثابت، وتتاح من الناحية الموضوعية فرصة الانتقال من الإمكان إلى الواقع الفعلي، ومن الناحية الذاتية من الأمل إلى التحقق.
26
بيد أن هذا كله لن يريح من الأسئلة والمشكلات، فالحكم بعدم تحقق الهوية (أو على الأقل بتأجيل تحققها) يمكن أن يزلزل عبارة بارمنيدس الشهيرة التي قام عليها التفلسف كله، وهي أن الوجود موجود، وربما رد العالم الذي نعيش فيه إلى حالة الفوضى والعماء التي كان عليها قبل الخلق، فلا نكاد تميز فيه الموجود من اللاموجود، ولا نكاد تسمى شيئا باسمه. أضف إلى هذا أن عملية التقدم أو التطور المستمر من الأمل إلى تحقيق الأمل ومن الإمكان إلى الواقع الفعلي، يمكن من ناحية المبدأ وبمنطق الجدل نفسه أن تستمر بغير حد ولا نهاية؛ إذ ينقلنا الواقع الفعلي إلى إمكان آخر، ويظهرنا الأمل المتحقق على أمل جديد لم يزل في سبيله إلى التحقيق. فهل هي دورة أبدية يسلم الهدف الذي تحقق لهدف يبدو في الأفق البعيد، ويتمخض الموجود المتحد مع ذاته عن إمكانات لم تنبثق بعد؟ ألا يقال بهذا أن العالم لن يحقق هويته أبدا، لأن ذلك معناه السكون والموت ونهاية العالم ذاته؟
تلك أمثلة للأسئلة والمشكلات التي يتصارع معها تفكير بلوخ اليوتوبي على كل المستويات، فالمادة لن تكف عن التفتح والإبداع، والمجتمع الخالي من الطبقات لن يتوقف بتحقيق «الجماعة الشيوعية» كما توهمت الدول الشيوعية، والفن لن يسأم الصعود على درجات الكمال، والحرية لن تفرغ أبدا من إتمام تحررها، والهوية النهائية لن تتحقق أبدا بصورة نهائية، والإنسان لن يكف أبدا عن تجربة الحياة من جهة السلب والنقص، ولن ينفض يديه أبدا من محاولة التجاوز والعلو على ذاته. وفي كل الأحوال لن تخلو أي يوتوبيا متحققة من بقية يوتوبية، لا لأن الكمال لم يتحقق فحسب في العمل الذي تم إنجازه، بل لأنه بعيد عن الصورة التي تم تصورها قبل البدء فيه وأثناء الجهد الذي بذل في سبيل تحقيقه ... ولا يرجع ذلك لأن الإنسان مخلوق ساخط بطبعه، لا يقتنع بأي هدف يحققه، بل لأن للوجود درجات، كما أن للكمال درجات. والحقيقة أن المزيد من الوضوح والتميز في تمثل الوجود والوعي به - كما عند ليبنتز في مذهبه عن المونادات - واستكمال العمل الكامل، هما خطوات على الطريق إلى تحقيق مفهوم الهوية والوصول إلى الكل.
وهكذا يفلت الوجود على الدوام، ويخترقه السلب لكي يفسح مكانا للصيرورة ومعها التغير والتحول، والفكر وحده هو الذي يتشبث بديمومة الوجود الذي وحده معه بارمنيدس في عبارته المشهورة (لأن الوجود والفكر واحد)، وإلا انزلق منه كل شيء، ولم يتكون من تدفق الظواهر عالم على الإطلاق. أما الواقع الذي يواجه الفكر ويتسرب إليه في مختلف الصور، فهو حركة متصلة، وكل ما هو «واحد» فيه ينطوي على «الآخر» المختلف عنه، ولولا ذلك ما كان هو الواحد ولا أخرج الوجود من داخل اللاوجود كما بين أفلاطون ذلك في محاورة «بارمنيدس» واستطاع بذلك أن يتجاوز الوجود أو أن يجعله يتجاوز نفسه.
ومهما يكن الأمر، فغني عن الذكر أن تلك الصيغة الجدلية المكثفة لا يمكن أن تتضح إلا إذا تم استخراج مضمونها الغني من ثنايا التجربة البشرية التي تجلى فيها على أنحاء مختلفة، وإن تكن قد ظهرت حتى الآن في صور تاريخية جزئية مشتتة وغير كافية أو محققة للأمل اليوتوبي، وبيان هذا وشرحه معناه تتبع العملية الجدلية في مجاليها التاريخي والكوني، وهي العملية التي لا يمكن تصورها إذا كان الوجود ليس على الصورة التي ينبغي أن يكون عليها، وأنه لم يزل على الطريق إلى تحقيق ماهيته. وطبيعي أن الهدف من هذا البحث هو شرح هذه العملية الجدلية الضخمة في صورها وأبعادها المختلفة التي لم تزل في مجموعها مجرد تجليات مؤقتة للكل اليوتوبي الأخير، أو لم تزل مجرد خطوات ومراحل من الرحلة الطويلة التي تتابع طريق التجربة والخطأ، والنجاح والفشل، والأمل وخيبة الأمل، وكأن جهد العالم كله، وجهد الإنسان الذي يمثل آخر فصل فيها هو مختبر الخلاص الممكن.
ثانيا: مقولة الإمكان
من الواضح أن مقولة ال «ليس-بعد» التي تم عرضها من الناحية الأنطولوجية تدور في فلك الإمكان الذي سيتم عرضه من الناحية المنطقية. وقبل الحديث عن مقولة الإمكان يقتضي الأمر التعريف بماهية المقولة، وكيف تطورت في تاريخ الفكر الفلسفي. إن كل كلمة في أية لغة تدل على تصور
অজানা পৃষ্ঠা