48

আশা ও ইউটোপিয়া

الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ

জনগুলি

وينعكس الوعي المسبق بالجديد في الإنتاج العقلي والإبداع الفني والأدبي الذي يتميز بالقدرة على استشعاره (أي الجديد) وتشكيله وتوضيحه، بل هو دليل وبرهان عليه. ويمر الإبداع في هذه الحالة بثلاث مراحل تتسع فيها حدود الوعي وتتضح هوامشه المظلمة. وأولى هذه المراحل هي مرحلة الحضانة أو الإعداد

Incubation ، والثانية هي مرحلة الإلهام أو الحدس

Inspiration ، والثالثة هي مرحلة الإظهار والشرح

Explication .

42

وتكون المرحلة الأولى أشبه بحالة ضبابية يغلفها الغموض، ولا يحس الوعي فيها إلا بنوع من الاحتياج أو الافتقار الذي وصفه من قبل «باللا»، مما يدفعه إلى تحسس الهدف الذي يبدو على البعد وكأنه يتحرك في الضباب، وتتميز هذه المرحلة بأنها تقصد قصدا قويا للخروج من حالة الحضانة أو الإعداد إلى مرحلة الظهور. ومع أنها تتسم بالتناقض إلا أنها تتسم كذلك بالنزوع القوي إلى الوضوح والتحرر من هذا التناقض. ولأن التوقع فيها حاضر دائما، فإن نوع الخطاب المناسب هو صيغ التعبير عن الاحتمال والترجيح والظن. وربما تطول هذه المرحلة أو تقصر، ولكن مرحلة أخرى تأتي بعدها بصورة مفاجئة، وتحمل معها النور الكاشف كالبرق الخاطف أو الإشراق المفاجئ للنور، وهي مرحلة الحدس أو الإلهام التي يظهر فيها الحل فجأة وبغير توسط. وتسميتها بالإلهام أو الحدس إشارة إلى هذه المفاجأة، وتسودها حالة من الإحساس بالتحرر من فترة حضانة أو إعداد طويلة، كما يصاحبها شعور ساحر بالنشاط والفعالية.

43

والإلهام هنا لا يفسر بالتفسيرات البدائية السحرية أو الرومانسية أو المتعالية، لأن المنتج المبدع ليس من المشتغلين بعلوم السحر كما كان الحال في العصور الوسطى، ولا هو ناطق بلسان القوى الغيبية العليا كما كان الحال في نظرية الفن منذ أفلاطون حتى الرومانسيين، فهذا التفسير الأسطوري المتعالي للإلهام هو تفسير غيبي عاجز وعقيم ولا يقربنا من جوهر العملية الإبداعية، أضف إلى هذا أن النكوص إلى الماضي لا يحتل مكانا في العملية الإبداعية. فالواقع أن الإلهام تجربة مشرقة وقابلة لأن تدرك في ذروة الوعي، كما تتجلى عند ديكارت عندما اكتشف مبدأ الكوجيتو الذي يقول عنه: «لقد هبط علي نور اكتشاف عجيب في 10 نوفمبر 1619م.»

44

ولكن الإلهام لا يأتي من الوعي وحده، وإلا كان ذلك شيئا غريبا على فلسفة بلوخ، إنما يرجع دائما إلى نوع من الالتقاء بين الذات والموضوع، أو من الحوار بين الوعي في حالته السابقة وبين الواقع. فالوعي ينتبه لألوان النزوع الموضوعي الكامنة في الواقع أو يحدس بها على أقل تقدير، ولا بد من وجود الشروط التي تهيئ الظروف الملائمة لهبوط الإلهام الكاشف، وهي شروط تاريخية (اجتماعية واقتصادية) ذات طابع تقدمي. فلولا بدايات الوعي الثوري عند الطبقة العاملة في القرن التاسع عشر لما أمكن التعرف على الجدل المادي، ولبقي مجرد فكرة سطحية عاجزة عن اختراق وعي الجماهير الكادحة. ومن الممكن الاسترسال في ذكر الأمثلة التي تبين أن بروق الإلهام الخاطفة التي تفاجئ الفرد العبقري تنقدح شرارتها على أرض الواقع نفسه وتستمد مادتها من مضمون هذا الواقع التاريخي الذي ينزع إلى الجديد ويتجه نحوه، وينتظر التشكيل والتعبير الواضح عنه عند المفكر والأديب والفنان المبدع. وكأن الزمن نفسه - حتى قبل أن تهب عواصف التحول والتغيير - هو الذي يكلفه بذلك ويترك له أمر صياغته بما يتفق مع طاقاته ومواهبه، لسبب بسيط هو أنه أقدر الناس على الاستماع لصوت الجديد ورؤية إشاراته وعلاماته.

অজানা পৃষ্ঠা