আশা ও ইউটোপিয়া
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
জনগুলি
87
هذا الجديد هو الذي يتأسس على الإمكان الواقعي لما لم يتم الوعي به بعد، وما لم يصر بعد، وهو الذي يعد بمستقبل حقيقي لم يسبق وجوده من قبل، بشرط أن يلقي الضوء الكافي على شروطه النظرية والعملية، وتتوارى شروطه غير الكافية أو المظلمة. والجديد الواعد بالخير لا يكون جديدا جدة مطلقة، إذ سبقته تشكلات تاريخية وأحلام، فلا بد أن يكون قد تمثل في الماضي على هيئة حلم أو تكون أشكاله المثمرة قد تفتحت خلال التاريخ السابق، وليس المقصود بالماضي هنا تقديس القديم أو «تصنيم» التاريخ بالمعنى الذي يقصده المروجون لأسطورة الأصول والمنابع الأولى وأصحاب النزعة التاريخية الذين يتعبدون أصنام التاريخ. وإنما المقصود هو الماضي بمعناه المستقبلي الحي، كما يتمثل في الأعمال المبدعة التي تتخطى زمانها وتبدو في كل عصر لاحق في صورة جديدة تكملها وتلقي المزيد من الضوء على روعتها. والواقع أن هذا هو المعيار الحقيقي والعنصر الأساسي المكون لكل ما يستحق أن يسمى بالميراث الحضاري، ففيه يولد القديم من روح الجديد الكامن فيه، وتكون العودة إليه دائما عودة منتجة وواعدة بشيء جديد في مستقبل جديد، وكأن الماضي الحقيقي سفينة تندفع بكل ما عليها من أحمال أصيلة نحو الشاطئ الذهبي لأرض اليوتوبيا. وبمقولتي «الأمام» و«الجديد» السابقتين يعارض بلوخ كل الفلسفات التي لا تأتي بجديد، والفلسفات التي تضع التقدم في شكل دائري، كما يعارض بهما أيضا النزعة الحيوية عند برجسون والمعرفة التي تقوم على التذكر من أفلاطون إلى هيجل، لأن كل هذه الفلسفات تخلو في رأيه من الجديد.
88 (7) الأقصى
Ultimum
وينطوي مفهوم «الجديد» على مفهوم «الأقصى» أو النهائي الأخير، وإن جرد بلوخ هذا الأخير من معانيه الأخروية المتعالية
89
وجعله جزءا لا يتجزأ من المنظور المستقبلي الذي تتجه إليه عملية الصيرورة الجدلية الهائلة التي تجرف الوجود والموجود على السواء ولا تتوقف أبدا عند الماضي، بل تفهمه فهما مستقبليا، وتتجه نحوه مدفوعة بالقصد «الذاتي» والنزوع «الموضوعي» اللذين يمثلان جناحي الإمكان الكامن في الصيرورة نفسها. هذه الصيرورة التي يمكن أن تنتهي إلى العدم أو إلى الجحيم كما حدث مرارا في الكوارث التاريخية، أو إلى «الكل» أو النعيم في صورها الدينية والفنية المختلفة. والمهم هو أن تؤدي هذه الصيرورة «للجديد» التاريخي، أي للبعد الذي يجد فيه «الأمل الفعال» مجاله وتربته الخصبة، وأن يمتلئ عالم الصيرورة بالاستعداد والنزوع لإظهار شيء يمكن أن نسميه «الجديد» الحاسم الذي سبقه أكثر من جديد على الطريق إلى ما يمكن أن نسميه «الكل اليوتوبي» أو ماهية الوجود وأساسه.
لقد كاد الحدث اليوتوبي الهائل - الذي لا يزال يتم في العالم - أن يبقى بلا ضوء يسلط عليه. وها هو ذا الرحالة الحالم يندفع بكل ما لديه من طاقة وما ادخر من زاد المعرفة ليجوب أرجاء الأرض المجهولة من أقصاها إلى أقصاها، لا ليحدد خطوط العرض والطول، بل ليتحسس أبرز المعالم ويرسم لها لوحات غنية بالألوان والدلالات التي تدخل في إطار النسق المرن المفتوح، وتسري فيها الأفكار المحورية التي تلخصها كلمات مثل التوقع، والأمل، والقصد والإمكان الذي لم يتحقق بعد.
لا بد في نهاية هذا الفصل من التنويه بأن هذه المقولات لم يعرفها بلوخ بشكل مستقل وتفصيلي، باستثناء مقولتي ال «ليس-بعد» و«الإمكان». وقد تناول الأولى في إطار البناء الأنثروبولوجي لفلسفة الأمل الذي يقوم على مقولة ال «ليس-بعد»، وتتبعها منذ نشأتها الأولى في الوعي الذاتي حتى تطورها واشتقاق البناء الأنطولوجي منها، وهو البناء الذي يقوم على مقولة الإمكان. وقد خصص بلوخ لهذه الأخيرة فصلا مستقلا في «مبدأ الأمل» وشرحها شرحا مستفيضا، وتناول أبعادها القديمة والحديثة، وقسمها تقسيمات دقيقة. أما باقي المقولات فلم يتناولها بمثل هذا التفصيل، على الرغم من استخدامه لها في كل صفحات «مبدأ الأمل» بطريقة تكشف عن أن هذه المقولات ما هي إلا توابع للمقولتين الأساسيتين، أو بمعنى آخر أنها - أي المقولات - هي الهدف الذي تتجه إليه هاتان المقولتان، لأن ما لم يوجد في الوعي أو الذات البشرية، وما لم يتحقق بعد من إمكانات كامنة وقابلة للتطور في الواقع المادي لا بد أن يسكن في «الأمام» - بالمعنى الآني الذي تم التعريف به - وأن يتجسد في «الجديد» المقبل والقابع في المستقبل، وأن تكون المادة في الوعاء الذي يحوي كل هذه الإمكانات ويضمن تحقيقها، وأن يتجه كل هذا ناحية الأقصى أو الهدف النهائي للأمل وهو «الكل اليوتوبي».
ولا يمكن أيضا حصر عدد المقولات التي تضمنها نسق بلوخ الفلسفي على النحو الدقيق الذي نجده عند فلاسفة مثل أرسطو أو كانط أو هيجل أو غيرهم. فباستثناء مقولتي ال «ليس-بعد» و«الإمكان» لم يقدم دراسة منهجية دقيقة عن باقي المقولات، ولم يحصر عددها، ولذلك توجد اختلافات كثيرة بين الباحثين حول هذه المقولات سواء في عددها أو أسمائها.
অজানা পৃষ্ঠা