আশা ও ইউটোপিয়া
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
জনগুলি
كان برشت خير من عبر عن الفلسفة الماركسية سواء في أشعاره أو في أعماله المسرحية، ورأى أن مهمة الكاتب المسرحي هي ألا يخاطب الشعور بل يخاطب العقل، وأن من واجبه أن يعلم هذا العقل ويدفعه إلى الحركة والتغيير بدلا من أن يثير الشعور. وكما قال ماركس إن على الفلسفة أن تغير العالم لا أن تفسره، فقد أصبح على الفن والمسرح أيضا أن يغيرا الإنسان تمهيدا لتغيير العالم.
57
غير أن برشت تراجع عن نظرته المذهبية المتزمتة في أعماله الأخيرة عندما أدرك - مثلما أدرك بلوخ أيضا كما سبق القول - الأخطاء والتناقضات التي وقع فيها التطبيق الماركسي في ممارسته العملية. بل وذهب إلى أبعد من هذا الحد فراح يدعو إلى توحيد ألمانيا والحيلولة بينها وبين التسلح من جديد، وكتب خطابه المفتوح المشهور إلى فالتر أو لبرشت على أثر إخماد ثورة العمال الألمان في القطاع الشرقي من برلين في شهر يونيو عام 1953م ضد الحزب الشيوعي الحاكم، ووجه إليه فيه أعنف اللوم حين قال عبارته المشهورة: «إذا كان هذا الشعب لا يعجبكم فابحثوا لكم عن شعب آخر.»
58
كذلك ربط بلوخ وبرشت اهتمامهما بالحركة التعبيرية، فقد دافع عنها بلوخ وتمسك بها حتى النهاية وانعكست أيضا على أسلوبه المتدفق الجياش في الكتابة. أما عن برشت فقد أخذ يطبق برنامج الحركة التعبيرية التي لم تهتم بالدراما في ذاتها بقدر اهتمامها بأن تكون أداة للعرض والبيان، فالتعبيري كان يعرض عواطفه الجياشة المنطلقة، وبرشت يعرض نزعته العدمية في مسرحياته المبكرة أولا، ثم يعرض نزعته الماركسية الثورية في مسرحياته التعليمية، ثم يجمع بين النقيضين في مسرحياته الأخيرة التي تخلو من التزمت العقائدي، وتهيب بالجمهور أن يفكر ويبحث عن حل بدلا من أن تفرض عليه الحل الوحيد.
59
وإذا كان بلوخ لم يتخل عن التعبيرية بل تمسك بها حتى النهاية، فإن برشت استطاع أن يتجاوزها في أعماله المتأخرة. وإذا كان ما جمعهما هو توجههما الاشتراكي، فإن بلوخ لم يكن منذ البداية متزمتا في نزعته الماركسية بل اتسم تفكيره بالأقق المفتوح بلا حدود على المستقبل، كما أن برشت عرف في مرحلة شبابه بتزمته العقائدي ودعوته إلى التغيير بالعنف إذا دعت الضرورة لذلك، ولكنه تراجع كما سبق القول في سنواته الأخيرة عن هذه النظرة المحدودة الأفق. وعلى الرغم من هذا ظل إعجاب بلوخ بأعمال برشت الشعرية والمسرحية كبيرا حتى إنه استشهد بالعديد منها في شرح نسقه الفلسفي. (3) مؤثرات الحركة النقدية
لم يكن بلوخ فيلسوفا أكاديميا فحسب؛ إذ لم تبدأ مرحلته الأكاديمية إلا بعد أن تجاوز الستين من عمره، بل كان مفكرا لا يمكن فصله عن الجو الثقافي والعلمي المحيط به، كما لا يمكن الفصل بين الفكر أو الفلسفة من ناحية وبين الروح الثقافية للعصر من أدب وشعر وعمارة وموسيقى وفنون مختلفة من ناحية أخرى، وقد استوعب بلوخ كل هذه العناصر الثقافية في عصره وعبر عنها في نسق متكامل، كما جاء هذا النسق معبرا عن عصر مخاض وحلم وثورات اشتراكية وأحزاب فاشية، واتسم بالديناميكية كما اتسم بالاضطراب والقلق. إنه عصر شهد فيه الفكر الفلسفي الألماني تغيرات كثيرة وحاسمة، وبداية بحث فلسفي على أسس منهجية جديدة، وإعادة إحياء التراث الماركسي باعتباره فهما نقديا تحليليا للواقع، وقد اجتاحت فيه الفكر الألماني حركة نقدية واسعة النطاق ذاع صيتها باسم «مدرسة فرانكفورت»، نظم أعضاؤها حلقات بحث حول الماركسية، وركزوا على أفكار ومؤلفات ماركس الشاب وليس الاقتصادي، وأثاروا عاصفة نقدية على كثير من القيم السائدة والنظم المستقرة.
ومع أن النسق الفلسفي لبلوخ قد اتسم بعمق النظرة النقدية للواقع، فقد اختلفت النظرة النقدية عنده عن النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، على الرغم من انطلاقهما من منبع واحد وهو المنهج التحليلي النقدي المعروف في التراث الماركسي، ويعود الاختلاف إلى النظرة أو النزعة الأكثر عمقا عند بلوخ والتي تمتد جذورها في التراث الفلسفي الهيجلي والماركسي. لقد استخلص من المنهج الهيجلى عمقه النقدي للثورة على الواقع وتجاوزه، وتعلم من الماركسية الحلم بالمستقبل والرغبة في تغيير العالم وحتمية الثورة، وأحسن استخدام منهجهما وأدواتهما التحليلية في التعامل مع الواقع الاجتماعي العيني. لم يحصر الحلم الماركسي في أطر سياسية واقتصادية محددة، بل انطلق إلى آفاق لا محدودة، وطبق هذه النظرة النقدية على الماركسية نفسها، فنقد الماركسية المادية لحساب الماركسية الإنسانية، وجعل الماركسية مبدأ لأمل إنساني شامل، ولذلك رأى وجوب إعادة اكتشاف الماركسية كسلاح نقدي لمقاومة كل واقعية اجتماعية تعسفية كالرأسمالية الجديدة والنمط الاشتراكي السوفيتي
60 (قبل انهياره بطبيعة الحال).
অজানা পৃষ্ঠা