فذهبت إليه من لحظتي وقلت له: إنني سأذهب لأبتاع سيارة، فامتدح الشيخ الفكرة ومضينا معا إلى مخزن للسيارات قريب، فاشترينا واحدة بثمن معتدل، وما كاد الأصيل يجيء حتى دربني القوم على سوق السيارة ، فركبناها إلى البيت والأولاد من الفرح بها ذاهلون عن خوف أبيهم وخشية لقائه. وبعد العشاء ذهبت بهم إلى المضاجع باكرين، وظل زوجي على المائدة صامتا، ولما مضيت إلى المطبخ جاء ورائي فقال محتدما: تعالي هنا. وكنت في الأيام القلائل الفارطة لم أعد أستشعر منه خوفا، ولكني في تلك اللحظة خفت منه خيفتي الماضية، وانطلق هو يهز قبضة يده في وجهي صائحا: هيا احزمي ثيابك. ورأى مني في تلك اللحظة انزواءتي منه فترك للغضب سبيله وعاد يصيح: احزمي ثيابك يا فاجرة فلن يحتويك البيت بعد اليوم. قلت: والأولاد، واختنق صوتي فأمسكت، فمشى يريد حجرتهم. فوثبت من مكاني فعدوت في إثره، قلت: ماذا تريد أن تفعل؟ فالتفت إلي مزمجرا فقال: ما لك ولما أريد أن أفعل؟ سأسيطهم حتى أهرأ بالسوط أبدانهم. وأدار الأكرة فألفى الباب موصدا، فأمسك بكرسي ومشى يريد تحطيمه، ولكن ما كدت أسمع صوت الضربة الأولى حتى عاودتني شجاعتي في خطفة البرق وفي غضبة المجنون الثائر، وسمعت دويا في أذني ورأيت العالم قد استحال في ناظري بلون النجيع الأحمر! فوثبت إليه فأمسكت بالكرسي قبل أن يهوي بالضربة الثانية. وزأر هو صائحا: إنني قاتلك أيتها الشقية ... فتماسكنا بالمقعد ولست أدري حتى الساعة أين لي بكل تلك القوة التي أحسستها في تلك الساعة. وانتشب بيننا عراك عنيف، وجعل يهوي بلكماته ويهزني هزا، ورحت أخدشه وأركله وألعنه وأغيب أسناني في لحمه، وعدت في لحظة وحشا كاسرا ضاريا، ورأيت ثغرة أمامي فمددت إليها يدي فإذا هي محجر عينه فدفعت أصابعي فيه، وما لبث أن سادني ظلام دامس واستولت علي غشية غاشية ... •••
ولما فتحت عيني ألفيتني طريحة على فراش في مستشفى والطبيب مكب علي والممرضة مشرفة، فأغمضت العين ثانية وعدت أهبط سباتا عميقا ...
وتتالت الأسابيع، وأقبل مع الطبيب طبيب طار في الآفاق بالنطس ذكره. فتوليا فحصي ودققا الفحص جهدهما، وطلع علي في ذات يوم - وقد أخذت أبل من مرضي - الطبيب بالبشرى.
قال: إن زميله رأى أنني مع الرعاية والفراغ من الهم والخلاء من المتاعب ستطول بي الحياة وأعمر.
وفي أصيل اليوم التالي صحوت من إغفاءتي فرأيت زوجي واقفا عن كثب من مضجعي.
ولم أدر كم طال بي موقفه، وإنما كذلك وقف خاشعا محزونا يكاد يلوح أشيب حطمته الأعوام.
قال في رفق وحنان: كيف تجدينك اليوم؟
قلت: أخف حالا ولله الحمد.
فمشى إلى مرقدي فأهوى على يدي ووجهي تقبيلا في بكاء وخشوع.
وقال: أواه لك! لماذا لم تشاجريني من عهد بعيد وتعتركي، فلطالما لهفت على المشتجر وأحببت المعارك المناجز! صفحا ونسيانا! قلت: من أجل الأولاد صفحت ونسيت ...
অজানা পৃষ্ঠা