الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع
الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع
প্রকাশক
دار الهدي النبوي،مصر / المنصورة،ودار الففضيلة،الرياض
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م
প্রকাশনার স্থান
المملكة العربية السعودية
জনগুলি
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١]
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (١) .
_________
١- هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يستفتح بها خطبه، رواها الإمام أحمد في المسند (١/٣٩٢ – ٢٩٣)، وأبو داود (٢١١٨)، والترمذي (١١٠٥)، وابن ماجة (١٨٩٢)، وأخرج بعضها الإمام مسلم في صحيحه (٨٦٧) و(٨٦٨)، وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة في إثبات صحتها عن النبي ﷺ وقد صححها كذلك في صحيح أبي داود (٨٦٠)، وصحيح ابن ماجة (١٥٣٥)، وتخريج مشكاة المصابيح (٢١٤٩) .
1 / 3
وبعد:
فقد انتشرت بين الناس بدع كثيرة في دين الله تعالى، واستبدلوها بسنن النبي ﷺ، حتى كادت معالم السنة تندثر، وأصبح الباطل حقا، والحق باطلا. وأضحت البدعة سنة، والسنة بدعة.
ومن صور العبادات التي انتشرت بين عامة المسلمين، ظاهرة الذكر الجماعي، في المساجد والبيوت، والمنتديات، وغيرها، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية، حتى عمت بها البلوى.
كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن الدعاء بعد الصلوات المفروضة بشكل جماعي من مستحبات الصلاة. وهم يعتبرونها مثل الراتبة (١) والتي تصلى بعد الفريضة، أو أكثر منها، ويحرصون عليها أشد الحرص، ويواظبون عليها. فإذا لم يدع لهم الإمام بعد الصلاة ولم يجتمع معهم على الذكر بصورة جماعية، رأوا أن صلاتهم ناقصة، وأساءوا الظن به، واتهموه بأنواع من التهم، ولما كان الذكر عبادة لله تعالى، والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها، أو للاستحسان. من أجل هذا كان لا بد من بيان حكم هذا العمل،
_________
١- انظر: تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (١/٢٤٦) .
1 / 4
والكلام عليه، وذلك كما سيأتي إن شاء الله في مباحث هذا الكتاب.
ولما كان بيان (السنة) والذب عنها، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى. ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمّت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان، واختلف فيه الناس بين مانع منه، ومجوز له. وقد بحثت عمن ألّف في هذا الموضوع خصوصا، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه، ويبين السنة فيه – لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع. لذلك رأيت مستعينا بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي، هل يجوز أم لا؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم، والمجيزين له وأدلتهم، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل. وأسميت هذا البحث "الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع".
خطة البحث:
اشتمل البحث على: خطبة الحاجة، ومقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة.
فأما المقدمة: فهي في أسباب اختيار الموضوع، مع بيان خطة البحث. وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث.
وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان.
1 / 5
وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر الجماعي.
والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي.
والمبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم.
والمبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم.
والمبحث الخامس: في حكم الذكر الجماعي.
والمبحث السادس: حول مفاسد الذكر الجماعي.
والخاتمة: في بيان خلاصة البحث ونتائجه.
والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والسداد، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم:
د. محمد بن عبد الرحمن الخميس
1 / 6
تمهيد
مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة
من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعا كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب:٤١، ٤٢] .
فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت، بقلبه، وبلسانه، وبجوارحه، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى، ولا سيما أذكار ما بعد الصّلاة، وطرفي النهار، والأذكار عند العوارض والأسباب، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد.
لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزما بحدود الشريعة ونصوصها، وهدي النبي ﷺ، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل، وقبوله عند الله تعالى، كما قال ﷺ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (١) أي باطل مردود على صاحبه.
ومما هو معلوم أن العبادات – ومنها الذكر- كلها توقيفيّة، أي: لا
_________
١- أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨) من حديث عائشة.
1 / 7
مجال فيها للاجتهاد، بل لا بد من لزوم سنة النبي ﷺ وشريعته فيها، لأنها شرع من عند الله تعالى، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى، وإلا كان هذا اعتداء على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعة لله تعالى في حكمه، وقد قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:٢١] .
قال السعدي في تفسير هذه الآية: " ... ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم، من أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد، ويتقربوا به إليه. فالأصل: الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله تعالى ولا عن رسوله ... " اهـ. (١)
فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع، وبما بين على لسان رسوله ﷺ. ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألاّ يحيد عنها قيد أنملة، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفا هدي رسول الله صلى الله وسلم في العمل.
ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئا مخالفا لما كان عليه رسول الله ﷺ هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعا في الدين،
_________
١- انظر: تفسير السعدي المسمى (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) (٦/ ٦٠٩)، ط مؤسسة السعيدية بالرياض.
1 / 11
محدثا في العبادة ما ليس منها.
ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئا في العبادة، فإنه – أي الاستحسان- ليس دليلا على مشروعية تلك العبادة، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادما لحكم الله تعالى، فلا ينبغي أبدا أن يتعبد لله تعالى إلى بما شرع الله على لسان رسوله ﷺ.
1 / 12
المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي
الذكر الجماعي يتركب من كلمتين، وإليك بيان معنى كل منهما:
أولا: (الذّكر): بالكسر: الشيء الذي يجري على اللسان (١)، وتارة يقصد به الحفظ للشيء.
قال الراغب في المفردات: "الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا باحترازه، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان: ذكر عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ" (٢) .
وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبّدنا الشارع بلفظ منّا يتعلق بتعظيم الله، والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه. (٣)
ثانيا: معنى (الجماعي): هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت
_________
١- القاموس المحيط (٥٠٧)، لسان العرب لابن منظور (٥/ ٤٨) .
٢- مفردات الراغب (٣٢٨) .
٣- انظر: الموسوعة الفقهية (٢١/ ٢٢٠)، والفتوحات الربانية (١/ ١٨) .
1 / 10
واحد، يوافق فيه بعضهم بعضًا (١) .
والمقصود بكلامنا وقولنا: الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكارًا وأدعية وأورادا وراء شخص معين، أو دون قائد، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية ومن صوت واحد، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث.
_________
١- الموسوعة الفقهية (٢١/ ٢٥٢) .
1 / 11
المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي
كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة ﵃ كما سيأتي ذلك مفصلًا في المبحث الرابع إن شاء الله، وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قلّ انتشار هذه الظاهرة، وخبت بسبب إنكار السلف لها. ثم لمّا كان زمن المأمون، أمر بنشر تلك الظاهرة. فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس. فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام ٢١٦ هـ ما نصّه: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة، والرصافة، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، من هذه السنة" (١) وجاء في تاريخ ابن كثير: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس" (٢) .
فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي وبقوة، بسبب مناصرة السلطان لها. ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمرا، أو قولا ما، ونشره بالقوة بين الناس، فلابد
_________
١- تاريخ الأمم والملوك (١٠/ ٢٨١) .
٢- البداية والنهاية (١٠/ ٢٨٢) .
1 / 12
أن ينتشر ويذيع، إذ إن الناس على دين ملوكهم.
واستمرت هذه الظاهرة منتشرةً بين الرافضة والصوفية ومن تأثر بهم (١) .
هذا وقد جمعوا بين أمرين، هما: الذكر الجماعي، والذكر بالاسم المفرد.
وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا بد من الذكر في جملة لأنها هي المفيدة، ولا يصح الاسم المفرد، مظهرا أو مضمرا، لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة. ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف.
ومن صور هذا الذكر كذلك أن يزيدوا ياءً في (لا إله إلا الله) بعد همزة لا إله. ويزيدون ألفًا بعد الهاء في كلمة (إله) فتصبح (لا إيلاها) . ويزيدون ياءً بعد همزة إلا وبعد (إلا) يزيدون ألفا فتصبح (إيلا الله) وكل ذلك حرام بالإجماع في جميع الأوقات (٢) .
وكذلك يلحن بعضهم في (لا إله إلا الله)، فيمد الألف زيادة على قدر الحاجة، ويختلس كسرة الهمزة المقصورة بعدها ولا يحققها أصلا، ويفتح هاء له فتحة خفيفة كالاختلاس، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله (٣) .
_________
١- دراسات في الأهواء (ص ٢٨٢) .
٢- انظر: الإبداع في مضمار الابتداع (٣١٧) .
٣- الإبداع في مضمار الابتداع (٣١٦) .
1 / 13
وكذلك من صوره أنهم يذكرون بالحَلْقِ، أي يحاولون إخراج الحروف من الحلق، وهذا يلزمهم بفتح أشداقهم، والتقعر في الكلام، والتكلف في النطق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان لأنها هي التي تجمع مخارج الحروف (١) .
وقد تعددت صور ذلك. فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين، وبصوت واحد: كأن يقولوا: لا إله إلا الله. مائة مرة (٢) . قال الشقيري: "والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثا، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين جماعة بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر" (٣) .
ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعة من الناس:
١- الاستغفار عقب الصلاة، والإتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع (٤) . قال الأوزاعي: "حمل الشافعي – ﵁ أحاديث الجهر على من يريد التعليم" (٥) .
٢ – أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهرا رافعا يديه، ويؤمن المأمومون ن على دعائه وبصوت واحد (٦) .
_________
١- الإبداع في مضمار الابتداع (٣١٧) .
٢- السنن والمبتدعات (٦٠)، وعلم أصول البدع (١٥١) .
٣- السنن والمبتدعات (٦٠)
٤- انظر: علم أصول البدع (١٥١)
٥- إصلاح المساجد (ص ١١١)
٦- مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام (١٢٣) .
1 / 14
٣ – ومنه أن يجتمع الناس في مكان ما – مسجد أو غيره- ويدعون الله، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطا للطريقة (١) .
وقد قال التيجاني: "من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة، وإن كان له إخوان في البلد فلا بد من جمعهم وذكرهم جماعة. وهذا شرط في الطريقة" (٢) .
وقال: الرباطي: "وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة، ويعد تهاونا، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون" (٣) .
وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه:
قال السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر (لا إله إلا الله)، ويقولون في النهاية (الله الله....) بصوت عال. فما حكم فعلهم هذا؟
الجواب: (بعد بيان ضلال هذه الطريقة) . والاجتماع على الذكر بصوت جماعي لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: (الله
_________
١- الحوادث والبدع (١٢٦) .
٢- تقديس الأشخاص (١/ ٣٣٦) .
٣- تقديس الأشخاص (١/ ٣٣٦) .
1 / 15
الله ...) أو: (هو هو ...) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة (١) .
٤ – ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه.
٥ – ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل واحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها. وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي: إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية. أو للأخطاء التي تحصل من الداعي، وتحريفه للكلام. ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين:
الأول: تخصيص كل شوط بدعاء خاص، مع عدم ورود ذلك. قال الشيخ عبد العزيز بن باز –﵀: "وأما ما أحدثه بعض الناس: من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي" (٢) .
الثاني: الهيئة الجماعية، مع رفع الصوت، وحكاية ألفاظ بدون
_________
١- البدع وما لا أصل له ص (٤٢٥) .
٢- التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة (٣٥) .
1 / 16
تدبر واستحضار معنى.
٦- ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي، أو قبور الشهداء، أو البقيع، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني –﵀ عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة النبوية: "تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة، أو بعيدا عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها" () .
٧ – ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات – ولاسيما في العيدين- ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت، ويرددون جماعة بصوت واحد، فهذا كذلك من البدع.
_________
١- مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني (٦٣) رقم (١٦٦) .
1 / 17
المبحث الثالث: حجج الموزين للذكر الجماعي وأدلتهم
...
المبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم
احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (١)، نوجزها فيما يلي:
أولا: النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة –﵁ عن النبي ﷺ قال: "إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلًا يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله ﷿ وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... " وفي نهاية الحديث يقول الله: " ... قد غفر لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم ما استجاروا ... " (٢) .
فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل
_________
١- انظر: حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) للسيوطي (٢/ ٢٣- ٢٩)، مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى كتاب صفة صلاة النبي ﷺ لحسين السقاف (٢٤٤- ٢٥٧) .
٢- البخاري (٦٤٠٨) ومسلم (٢٦٨٩) عن أبي هريرة.
1 / 18
الاجتماع للذكر، والجهر به من أهل الذكر جميعا، لأنه قال: "يذكرونك، ويسبحونك، ويهللونك، ويمجدونك" بصيغة الجمع، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال: "والمراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها، وعلى تلاوة كتاب الله ﷾، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته، والمناظرة فيه، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى" (١) . ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق: إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود، عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عن النبي ﷺ فقال: "هل فيكم غريب" يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب، وقال: "ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله" فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله ﷺ يده، ثم قال: "الحمد لله، بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله ﷿ قد غفر لكم" (٢) .
_________
١- فتح الباري (١١/ ٢١٢) .
٢- رواه أحمد في المسند (٤/ ١٢٤)، والطبراني في الكبير (٧/ ٢٩٠ ح٧١٦٣) .
1 / 19
قلت: الحديث ضعيف. فيه إسماعيل بن عياش. وهو مدلس. ولم يصرح بالسماع، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود، قال ابن معين: "ليس به بأس، ثقة"، وقال دحيم: "هو ثقة عندي"، بينما ضعفّه الإمام البخاري ﵀ فقال: "فيه نظر"، وهذا جرح شديد عنده، بمعنى أن متهم أو غير ثقة. كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي (١)، وقال الدارقطني: "ضعيف لا يعتبر به"، فاتفق مع البخاري في تضعيفه، وهو الظاهر من حاله، فإن الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولًا من غير شك، هذا من جهة.
ومن ناحية أخرى، فلو فرضنا جدلًا صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة- وليس لمجرد الذكر، لا سيما وقد أمرهم النبي ﷺ برفع الأيدي، فهذا للمبايعة، ولا يشترط – بل ولا يستحب- في الذكر.
ثانيا: الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر، والتي منها:
١- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يقول تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير
_________
١- انظر الموقظة للذهبي (ص ٨٣) .
1 / 20
منهم...." (١) الحديث. والشاهد في قوله: "وإن ذكرني في ملأ" فدل على جواز الذكر الجماعي (٢) .
٢ – ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله ﷺ خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا. فقال: "آلله ما أجلسكم إلا هذا". قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله ﷿ يباهي بكم الملائكة" (٣) .
٣ – ما رواه أبو داود في سننه أن النبي ﷺ قال: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس – أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس – أحبّ إلي من أعتق أربعة" (٤) . وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه.
واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي، وهي أقرب ما يمكن أن يستدل به في هذا الموضوع؛ لو
_________
٢- البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٥٧) عن أبي هريرة.
١- ما جاء في البدع (ص٤٨ رقم ٢٥) .
٢- مسلم (٢٧٠١) عن معاوية.
٣- أخرجه أبو داود (٣٦٦٧) وهو في صحيح أبي داود (٣١١٤) .
1 / 21
سلمت من الطعن، وهاهي بين يديك، مع ما قال الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها.
الحديث الأول: عن أبي هريرة أن النبي ﷺ رفع يديه بعد ما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال: "اللهم خلّص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ويهتدون سبيلا، من أيدي الكفار". أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١)، وابن جرير في تفسيره (٢) . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في التقريب: "ضعيف" (٣)، ونقل الذهبي في السير (٤) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي، وغيرهم. انتهى. ومع الضعف الذي في علي بن زيد، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين، وهو أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: "اللهم انج عياش ... " (٥) الحديث. أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر، قبل الخروج من الصلاة.
الحديث الثاني: عن محمد بن أبي يحيى السلّمي قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلا رافعا يديه بدعوات قبل أن يفرغ من
_________
١- تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ١٠٤٨) .
٢- تفسير ابن جرير (٤/ ٤٣٨ ح١٢٠٨١) .
٣- تقريب التهذيب (٤٠١)
٤- سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٠٦) .
٥- البخاري (٢/ ٢٢٥، ٢٢٦)، ومسلم (ح٣٩٢) في الصلاة، وأبو داود (ح ٨٣٦)، والنسائي (٢/ ٢٣٣) .
1 / 22