المداينة
المداينة
প্রকাশক
دار الوطن للنشر
সংস্করণের সংখ্যা
١٤٢٣هـ.
জনগুলি
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلي آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.. أما بعد.
فلما كان الدين الإسلامي دينا كاملا شاملا لما يقوم به العباد تجاه ربهم من العبادات وما يفعلونه في أنفسهم من العادات، وما يتعاملون به بينهم من المعاملات وقد جاء مبينا لأحكام ذلك تفصيلا وإجمالا، وكان مما شاع بين الناس التعامل بالمداينة وهي بيع الغائب بالناجز أو بالعكس، أو بيع الغائب بالغائب، أحببت أن أبين أحكام بعض ذلك فيما يأتي فأقول:
1 / 3
أقسام المداينة
القسم الأول: أن يحتاج إلى شراء سلعة وليس عنده ثمن حاضر ينقده، فيشتريها إلى أجلٍ معلومٍ بثمن زائد على ثمنها الحاضر فهذا جائز
مثل أن يشتري بيتًا ليسكنه أو يؤجِّره بعشرة آلاف إلى سنة، وتكون قيمته لو بيع نقدًا تسعة آلاف، أو يشتري سيارة يركبها أو يؤجِّرها بعشرة آلاف إلى سنة، وقيمتها لو بيعت نقدًا تسعة آلاف. وهو داخل في قوله تعالى: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ ١.
_________
١ سورة البقرة، الآية: ٢٨٢.
القسم الثاني: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار بها مثل أن يشتري قمحًا بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق أو نحو ذلك، فهذا جائز أيضًا لدخوله
القسم الثاني: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار بها مثل أن يشتري قمحًا بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق أو نحو ذلك، فهذا جائز أيضًا لدخوله
1 / 4
في الآية السابقة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ عن هذين القسمين أنهما جائزان بالكتاب والسنة والإجماع "ذكره ابن قاسم في مجموع الفتاوى ص٤٩٩ج٢٩"١.
_________
١ ولا فرق في أن يكون التأجيل إلي زقت واحد أو إلي أوقات متعددة مثل أن يقول: بعته عليك بكذا علي أن يحل من الثمن كل شهر كذا وكذا ... الخ.
القسم الثالث: أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته مثل أن يقول لشخص: أعطني خمسين ريالًا بخمسة وعشرين صاعًا من البُرِّ أسلِّمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضًا، وهو السَلمُ الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس ﵄ قال: قَدمَ النبي ﷺ المدينة وهم يسلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين فقال ﷺ: "مَن أسلف فليُسْلِف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم"١. _________ ١ رواه البخاري، كتاب مسلم "٢٢٤٠"، ومسلم كتاب المساقاة "١٦٠٤"، وأبو داود، كتاب البيوع "٣٤٦٣"، والترمذي كتاب البيوع "١٣١١"، والنسائي، كتاب البيوع "٤٦١٦"، وابن ماجة، كتاب التجارات "٢٢٨٠"، وأحمد "١/٢١٧".
القسم الثالث: أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته مثل أن يقول لشخص: أعطني خمسين ريالًا بخمسة وعشرين صاعًا من البُرِّ أسلِّمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضًا، وهو السَلمُ الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس ﵄ قال: قَدمَ النبي ﷺ المدينة وهم يسلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين فقال ﷺ: "مَن أسلف فليُسْلِف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم"١. _________ ١ رواه البخاري، كتاب مسلم "٢٢٤٠"، ومسلم كتاب المساقاة "١٦٠٤"، وأبو داود، كتاب البيوع "٣٤٦٣"، والترمذي كتاب البيوع "١٣١١"، والنسائي، كتاب البيوع "٤٦١٦"، وابن ماجة، كتاب التجارات "٢٢٨٠"، وأحمد "١/٢١٧".
1 / 5
القسم الرابع: أن يكون محتاجًا لدراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل،
ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن أقل منه نقدًا، فهذه هي مسألة العينة، وهي حرام؛ لقوله ﷺ: "إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاءً لا يرفعه حتى يرجعوا لدينهم" [رواه أحمد وأبوداود] ١.
ولأن هذه حيلة ظاهرة على الرِّبا، فإنه في الحقيقة بيعُ دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة أكثر منها دخلت بينهما سلعة، وقد نص الإمام أحمد وغيره على تحريمها.
_________
١ مسند أحمد "٢/٢٨"، وسنن أبي داود، كتاب البيوع "٣٤٦٢".
1 / 6
القسم الخامس: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه،
فهذه هي مسألة التورق.
وقد اختلف العلماء ﵏ في جوازها، فمنهم مَن قال: إنَّها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إمَّا عين السلعة وإمَّا عوضهَا وكلاهما غرض صحيح.
ومن العلماء مَن قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلًا، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفعُ بها حصول المفسدة لا يُغني شيئًا. وقد قال النبي ﷺ: "إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرأ ما نوى" ١.والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ
_________
١ رواه البخاري، كتاب بدء الوحي "١"، ومسلم، كتاب الإمارة "١٩٠٧".
1 / 7
الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد.
بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" "٥/٨٠١".
ولكن نظرًا لحاجة الناس اليوم وقلَّة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط:
١ - أن يكون محتاجًا إلى الدراهم، فإن لم يكنْ محتاجًا فلا يجوزُ كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره.
٢ - أن لا يتمكَّن من الحصول على المال بطرقٍ أخرى مباحة كالقرض والسَّلم، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنَّه لا حاجة به إليها.
٣ - أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الرِّبا مثل أن يقول: بعتك إيَّاها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إمَّا مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصحّ. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه
1 / 8
فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إيَّاها بكذا وكذا إلى سنة.
٤ - أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي ﷺ نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمَّت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجهٌ كيلا يحصل تضييقٌ على الناس. وليكن معلومًا أنَّه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة السابقة في القسم الرابع.
القسم السادس: طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالًا بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها، ثم يبيعه على المستدين، ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم
القسم السادس: طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالًا بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها، ثم يبيعه على المستدين، ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم
1 / 9
عليه شيئًا من المال يسمونه السعي، وهذا حرام بلا ريب، وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في عدَّة مواضع على تحريمه، ولم يحك فيه خلافًا مع أنه حكى الخلاف في مسألة التورُّق.
والمواضع التي ذكر فيها شيخ الإسلام تحريم هذه المسألة هي:
١ - يقول في ص٧٤ من المجلد٢٨: "و... والثلاثية مثل أن يدخلا بينهما محلِّلًا للربا يشتري السلعة منه آكل الربا، ثم يبيعها المعطي للرِّبا إلى أجلٍ ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلِّل. هذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي، أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدِّينَ على المعسر. ومن هذه المعاملات ما تنازع فيها بعض العلماء لكن الثابت عن رسول الله ﷺ وصحابته الكرام أنها حرام.
٢ - وفي ص٤٣٧ مجلد٢٩ قال: " ... وقول
1 / 10
القائل لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام ... إلى أن قال: وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصدُ بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية".
٣ - وفي ص٤٣٩ من المجلد ٢٩ المذكور قال: "أمَّا إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجلٍ، والمعطي بقصد إعطاء ذلك، فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحايلا على ذلك بأي طريق كان،. "فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى". وذكر نحو هذا في ص٤٣٠ وص٤٣٣ وص٤٤١ من المجلد المذكور وذكر نحوه في كتاب: إبطال التحليل في ص١٠٩.
وبعد، فإنَّ تحريم هذه المداينة التي ذكرنا صورتها في أول هذا القسم لا يمتري فيه شخص تجرَّد عن الهوى وعن الشح وذلك من وجوه:
* الأول: أن مقصود كل من الدائن والمدين دراهم بدراهم، ولذلك يقدِّران المبلغ بالدراهم، والكسب
1 / 11
بالدراهم، قبل أن يعرفا السلعة التي يكون التحليل بها؛ لأنهما يتفقان أولًا على دراهم: العشرة كذا وكذا ثم يأتيان إلى صاحب الدكَّان فيشتري الدائن أي جنس وجده من المال، فربما يكون عنده سكر أو خام أو أرز أو هيل أو غير ذلك، فيشتري الدائن ما وجد ويأخذه المستدين، وبهذا علم أن القصد الدراهم بالدراهم، وأن السلعة غير مقصودة للطرفين. وقد قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى"١.
ويدلُّ على ذلك أنَّ الدائن والمستدين كلاهما لا يقلِّبان السلعة ولا ينظران فيها نظر المشتري الرَّاغب، وربما كانت معيبة أو تالفًا، منها ما كان غائبًا عن نظرهما مما يلي الأرض أو الجدار المركونة إليه وهما لا يعلمان ذلك ولا يباليان به.
إذن فالبيع بيع صوريٌّ لا حقيقي، والصور لا تغيِّر
_________
١ سبق تخريجه "ص٧".
1 / 12
الحقائق ولا ترتفع بها الأحكام. ولقد حُدِّثت أنه إذا لم يكف المال الموجود عند صاحب الدُّكان للدراهم التي يريدها المستدين. فإنَّهم يعيدون هذا البيع الصُّوري على نفس المال وفي نفس الوقت، فإذا أخذه صاحب الدُّكان من المستدين باعه مرة أخرى على الدائن، ثم باعه الدائن على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل، ثم باعه المستدين على صاحب الدكان، فيرجع الدائن مرة أخرى فيشتريه من صاحب الدكان، ثم يبيعه على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه. وهكذا أبدًا حتى تنتهي الدراهم، فربما يكون المال الذي عند صاحب الدكان لا يساوي عُشرَ مبلغِ الدراهم المطلوبة، ولكن بهذه الألعوبة يبلغون مرادهم والله المستعان.
* الوجه الثاني: مما يدل على تحريم هذه المداينة أنه إذا كان مقصود الدائن والمدين هي الدراهم، فإن ذلك حيلة على الربا بطريقة لا يرتفع بها مقصود الرِّبا، والتحايل على محارم الله تعالى جامع بين مفسدتين:
1 / 13
مفسدة المحرم التي لم ترتفع بتلك الحيلة.
ومفسدة الخداع والمكر في أحكام وآيات الله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.
ولقد أخبر الله عن المخادعين له بأنَّهم يخادعون الله وهو خادعهم، وذلك بما زيَّنه في قلوبهم من الاستمرار في خداعهم ومكرهم فهم يمكرون، ويمكر الله والله خير الماكرين.
قال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصِّبيان، ولو أتوا بالأمر على وجهه لكان أهون.
وقد حذَّر النبي ﷺ أمَّته من التحايل على محارم الله فقال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل" ١. وقال ﷺ: "لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشُّحومُ فباعوها وأكلوا أثمانها" ٢.
_________
١ "إرواء الغليل"، للألباني "٥/١٥٣٥".
٢ رواه البخاري، كتاب البيوع "٢٢٣٦"، ومسلم، كتاب المساقاة "١٥٨١"،
1 / 14
* الوجه الثالث: أنَّ هذه المعاملة يربحُ فيها الدائن على المستدين قبل أن يشتري السلعة، بل يربحُ عليه في سلعة لم يعرفا نوعها وجنسها فيربحَ في شيء لم يدخلْ في ضمانه.
وقد نهى رسول الله ﷺ عن ربح ما لم يضمنْ، وقال: "الخراجُ بالضّمانِ" ١، وقال: "لا تبعْ ما ليس عندك" ٢. وهذا كله بعد التسليم بأنَّ البيع الذي يحصل في المداينة بيع صحيح، فإنَّ الحقيقة أنَّه ليس بيعًا حقيقيًّا، وإنما هو بيعٌ صوريٌّ، بدليل أن المشتري لا يقلِّبه ولا ينظرُ فيه ولا يماكسُ في القيمة، بل لو بيع عليه بأكثر من قيمته لم يبال بذلك.
_________
١ رواه أبو داود، كتاب البيوع "٣٥١٠"، والترمذي كتاب البيوع "١٢٨٥"، وصحيحه، والنسائي، كتاب البيوع "٤٤٩٠"، وابن ماجة، كتاب التجارات
"٢٢٤٣"، وأحمد "٦/٤٩".
٢ رواه أبو داود، كتاب البيوع "٣٥٠٣"، والترمذي، كتاب البيوع "١٢٣٢"، والنسائي، كتاب البيوع "٤٦١٣"، وابن ماجة، كتاب التجارات "٢١٨٧"،
وصححه الألباني في الإرواء "٥/١٢٩٢".
1 / 15
* الوجه الرابع: أنَّ هذه المعاملة تتضمنُ بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها إلى محلِّ المشتري ونقلها عن محلِّ البائع.
وقد نهى رسول الله ﷺ عن بيع السلع حيث تُشترى حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
فعن زيد بن ثابت ﵄ قال: نهى رسول الله ﷺ أن تُباعَ السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. رواه أبو داود١.
وعن ابن عمر ﵄ قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافًا بأعلى السوق فنهاهم النبي ﷺ أن يبيعوه حتَّى ينقلوهُ. رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه٢.
_________
١ سنن أبي داود، كتاب البيوع "٣٤٩٩".
٢ رواه البخاري، كتاب البيوع "٢١٣١"، مسلم، كتاب البيوع "١٥٢٧"، أبو داود، كتاب البيوع "٣٤٩٨"، والنسائي، كتاب البيوع "٤٦٠٥ – ٤٦٠٨"، وابن ماجة، كتاب التجارات ٢٢٢٩ وأحمد ٢/٧
1 / 16
القسم السابع: من طريقة المداينة أن يكون في ذمَّة شخص لآخر دراهم مؤجلة،
فيحل أجلها وليس عنده ما يوفِّيه فيقول له صاحب الدين: أدينُكَ فتوفيني فيدينهُ فيوفيه، وهذا من الربا بل هو مما قال الله فيه: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَفِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ١.
وهذا القسم من المداينة من أعمال الجاهلية حيث كان يقول أحدهم للمدين إذا حلَّ الدين: إما أن توفِّي وإما أن تُربي، إلا أنَّهم في الجاهلية يضيفون الرِّبا إلى الدَّين صراحة من غير عمل حيلة، وهؤلاء يضيفون الرِّبا إلى الدَّين بالحيلة. والواجب على صاحب الدَّين إذا حلَّ دينه إنظار المدين إذا كان معسرًا، لقوله
_________
١ سورة آل عمران، الآيات: ١٣٠ – ١٣٢.
1 / 17
تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ ١. أمَّا إذا أبراه من الدَّين فذلك خيرٌ وأفضل. أما إن كان المدين موسرًا فإنَّ للدائن إجباره على الأداء لأنه يحرم على المدين حينئذٍ أن يماطل ويدافع صاحب الدَّين لقول النبي ﷺ: "مطلُ الغني ظلم" ٢. ومن المعلوم أن الظلم حرام يجبُ منع فاعله وإلزامه بما يُزيلُ الظلم.
القسم الثامن: من المداينة أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حلَّ قال له: إمَّا أن توفِّي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاقٌ مسبقٌ في أنَّ كل واحد منهما يدين غريم
_________
١ سورة البقرة، الآية: ٢٨٠.
٢ رواه البخاري، كتاب الحوالة "٢٢٨٧"، مسلم، كتاب المساقاة "١٥٦٤"، وأبو داود، كتاب البيوع "٣٣٤٥"، والترمذي، كتاب البيوع "١٣٠٨"، والنسائي، كتاب البيوع "٤٦٨٨"، وابن ماجة، كتاب الصدقات "٢٤٠٤"، واحمد ٢/٧١"،
1 / 18
صاحبه ليوفِّيه ثم يعيدُ الدَّين عليه مرة أخرى ليوفِّي الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين، ثم أوفى المقرض ما اقترض منه. وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية وهي حرام لما تقدم من تحريم الحيل وتحذير النبي ﷺ أمته من ذلك.
خلاصة ما تقدم: وبعد، فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة، وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشرُّ والخسارة ونزع البركة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يزيِّن لصاحبه سوء عمله، فيستمر فيه ولا يرى أنه على باطل، فيكون داخلًا في قول الله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ
خلاصة ما تقدم: وبعد، فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة، وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشرُّ والخسارة ونزع البركة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يزيِّن لصاحبه سوء عمله، فيستمر فيه ولا يرى أنه على باطل، فيكون داخلًا في قول الله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ
1 / 19
وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾ ١. وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاَْخْسَرِينَ أَعْمَلًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ ٢.
فالحلال من هذه الأقسام:
١ - أن يحتاجَ الشخص إلى سلعة أو عقار فيشتريه بثمن مؤجَّل لقضاء حاجته.
٢ - أن يشتري السلعة أو العقار بثمن مؤجل للاتجار به وانتظار زيادة السِّعر.
٣ - أن يحتاجَ إلى دراهم فيأخذها من شخص بسلعة يكتبها الآخذ في ذمته.
وهذه الأقسام الثلاثة جائزة بلا ريب وسبقَ تفصيلها.
والحرام من الأقسام الأخرى:
١ - أن يحتاج إلى دراهم فلا يجدُ مَن يقرضه فيشتري
_________
١ سورة فاطر، الآية: ٨.
٢ سورة الكهف، الآيتان: ١٠٣، ١٠٤.
1 / 20
سلعة من شخص بثمنٍ مؤجَّل زائد على قيمتها الحاضرة، ثم يبيعها على غيره، وهذه هي مسألة التَّورُّق، في جوازها خِلاف بين العلماء كما تقدم.
٢ - أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجَّل، ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة.
٣ - أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، ثم يذهب إلى ثالث فيشتري الدائن منه سلعة، هو في الحقيقة شراء صوري، ثم يبيعها على المدين ثم يبيعها المدين بدوره على الذي أخذها الدائن منه.
وهذه طريقة المداينة التي يستعملها الآن كثير من الناس، وهي حرام كما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يذكر خلافًا في تحريمها كما ذكر في مسألة التَّورُّق.
٤ - أن يكون لشخص على آخر دينٌ مؤجَّلٌ فيحل
1 / 21
أجله وليس عنده ما يوفيه، فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني، فيدينه فيوفيه. وهذه طريقة أهل الجاهلية التي تتضمن أكل الرِّبا أضعافًا مضاعفة، إلا أنها صريحة في الجاهلية خديعة في هذا الزمان، ففيها مفسدتان.
٥ - أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل فيحل أجله، ويكون لصاحب الدين صاحب يتَّفق معه على أن يقرض المدين أو يدينه ليوفِّي الدائن، ثم يقلب عليه الدين مرة أخرى. وهذه هي طريقة الجاهلية مع إدخال الطرف الثالث المشارك في الإثم والعدوان والمكر والخداع.
فهذه الأقسام الخمسة محرَّمة، وقد علمت ما في القسم الأول منها من الخلاف.
واعلم أنَّ الدَّين في اصطلاح أهل الشرع اسم لما ثبت في الذمة سواء كان ثمنَ مبيعٍ أو قرضًا أو أجرةً أو صداقًا أو عوضًا لخلع أو قيمة لمتلف أو غير ذلك.
وليس كما يظنه كثير من العوام من أنَّ المداينة هي
1 / 22