105
تفسير قوله تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ) ثم قال تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ [ق:٤] علمنا بعلمنا الواسع. يقول الله ﷿: ﴿قَدْ عَلِمْنَا﴾ [ق:٤] بعلمه الواسع: ﴿مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ [ق:٤] أي: من أجسادهم، فلو كانوا ترابًا فالأمر محفوظ معلوم مضبوط. ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ [ق:٤] أي: كتاب حافظ لكل ما ينقص منه، فالإنسان إذا دفن فإن الأرض تأكله، تبدأ بظاهر جسمه، ثم تنتقل إلى باطنه، والله ﷾ يعلم مقدار ما تأكل الأرض منه، إلا صنفًا واحدًا من الناس فإن الأرض لا تأكلهم وهم الأنبياء، قال النبي ﵊: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) فهم باقون لم ينقص منهم شيء، أما غير الأنبياء فقد يكرم بعض الصالحين ولا تأكل الأرض جسمه وإلا فالأصل أن كل بني آدم تأكلهم الأرض ما عدا الأنبياء، قال تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ [ق:٤] من أي شيء؟ من أجسادهم التي تأكلها الأرض بعد دفنهم، قد علم الله تعالى ذلك. ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ [ق:٤] وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة. قال الله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق:٥] هذا إضراب وانتقال من شيء إلى آخر كان ينكر عليهم إنكار البعث، ثم أنكر عليهم ما هو أعم فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [ق:٥] الحق يعني الصدق الثابت الذي جاء به محمد ﵌، فمحمد ﵊ جاء بالحق؛ بكلام حق ثابت صدق، وبشرع حق ليس فيه ما يبطله. وقوله: ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [ق:٥] أي: حين جاءهم. ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق:٥] أي: بناء على هذا التكذيب صاروا في أمر مريج مضطرب، ليس لهم قرار، وليس لهم سكون، ولذلك تجد الإنسان كلما كان أشد يقينًا في دين الله، كان أثبت وأنظم لعمله، وكلما كان أشد تكذيبًا كان دائمًا في قلق، ولذلك قال: ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق:٥] . يستفاد من هذه الآية الأخيرة: أن مما يفتح الله به على العبد في معرفة الأحكام الشرعية أن يكون مصدقًا موقنًا، فكلما كنت مصدقًا موقنًا فاعلم أن الله سيفتح لك ما لا يفتحه لغيرك، أما من كان مكذبًا فإن أبواب الهداية تغلق دونه، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت:١٧] والعياذ بالله. ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق:٥] وبهذا نعرف أن الواجب على المرء أن يقبل الحق فور علمه به؛ لئلا يقع في أمر مريج كما قال الله ﷿: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:١١٠] . نسأل الله تعالى أن يدلنا وإياكم على الحق، وأن يرزقنا وإياكم اتباعه والوفاة عليه؛ إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما الآن فقد أتى دور الأسئلة.

5 / 6