ومما لا نزاع فيه أن حق الفكر الإنساني في قبول هذه الظواهر أرجح جدا من حقه في إنكارها، والبت باستحالتها كأنها شيء لا يتأتى وقوعه بحال من الأحوال، فلا استحالة في ظاهرة من هذه الظواهر، غير مستثنى منها النادر المستغرب بالغا ما بلغ من الندرة والغرابة في جميع الأزمان.
فالإطلاع على المستقبل غريب لم تثبته تجربة علمية قابلة للتكرار، ولكننا لا نستطيع أن نجزم باستحالته إلا إذا استطعنا أن نجزم بحقيقة الزمن وحقيقة المستقبل، ثم جزمنا بأن هذه الحقيقة تناقض العلم بشيء قبل أن يأتي أوانه ويجري في مجراه.
فما هو الزمن؟
نحن نتخيله في أوهامنا على صور كثيرة لا تخلو إحداها من نقص ومناقضة لبقية المقررات المسلمة لدينا.
فنحن تارة نتخيل الزمن كأنه بحر يزداد قطرة في كل لحظة ويمتلئ شيئا فشيئا، ولا يزال فيه فراغ مهيأ للامتلاء، وهو فراغ المستقبل المعدوم، ولكن هل الماضي إذن هو الموجود؟ وهل هو الحاصل المتجمع في بحر الزمان والمستقبل هو المعدوم؟ وما هو «الآن» الذي ليس بماض ولا بمستقبل ولا يوصف إلا بأنه حاضر غير ماض ولا آت؟
وتارة نتخيل الزمن كأنه محيط شامل لما كان وما هو كائن وما سيكون، ونحن نتقدم فيه كما يتقدم المسافر في أرض يراها بعد أن تقع عليها عيناه، فالمستقبل في هذه الحالة موجود، ولكننا نحن لا نراه إلا حين نصل إليه.
وتارة نتخيل الزمن كأنه خط ممتد الأوقات المتتابعة كالنقط المنطوية فيه، ولكننا إذا تتبعنا هذا الخيال لم يذهب بنا إلى بعيد؛ لأن الخط ممتد في كل جانب متعمق في كل باطن، فلا تشابه بينه وبين الخطوط.
وتارة نتخيل الزمن قابلا للتجزئة ولكننا لا نستقر على المقياس الذي يحكم لنا بالقرب أو البعد أو العمق بين مسافات الأجزاء.
وإذا جزأنا الزمن حكمنا بأن الزمان كله محدود؛ لأن مجموع المحدود محدود، ولكن ما هي حدود الحاضر، وما هو الخارج منه والداخل فيه؟ وما هو الفرق بين حاضر وحاضر بمقياس الزمان أو بمقياس الفضاء؟
على أنه إذا كان الزمان أجزاء وكان محدودا كأجزائه فقد بقي أمامنا «الأبد» الذي لا ماضي فيه ولا حاضر ولا مستقبل ولا ينقسم إلى أجزاء ولا يدرك له ابتداء ولا انتهاء ولا حركة بين الابتداء والانتهاء.
অজানা পৃষ্ঠা