وإذا قيل لموللر إن «الأبد» أو اللانهائية معنى لا توجد له كلمة في اللغات الهمجية ولا الحضارة الأولى قال إن الإحساس بالمعاني يسبق اختراع الكلمات، وقد ثبت أن الإنسان الأول لم يضع في لغاته كلمات لبعض الألوان، مع أنها قديمة محسوسة بالنظر موصولة بتجاربه اليومية. فإذا بحثنا عن لفظة تدل على معنى اللانهاية فلم نجدها في لغات الإنسان القديمة فليس ذلك بدليل على أن المعنى النفساني غير موجود أو غير محسوس. •••
ويبدو لنا أن القول بإدراك «الهمجي» لفكرة اللانهاية بعيد التصديق، وأنه لو كان قد أدركها قبل أن يتدين لتنزهت عقائده الأولى عن كثير من السخف الذي لا يجمل بتلك الحقيقة الكبرى، ولا يسلم من فساد الذوق ولا من العجز عن فهم العظائم التي تتجاوز أفقه الضيق ومعيشته المحدودة. •••
وإلى هنا نحسب أننا قد ألممنا بأهم الفروض التي خطرت على الأذهان في تعليل العقيدة الدينية، أو تعليل نشأتها الأولى.
وجملة ما يقال فيها أننا لا نجد فرضا منها يستوعب أسباب العقيدة كلها ويغنينا عن التطلع إلى غيره.
وجملة ما نفهمه من ذلك أن مسألة العقيدة أكبر من أن يحصرها تعليل واحد، وأنها قد تتسع لجميع تلك التعليلات معا ولا تزال مفتحة الأبواب لما يتجدد من البحوث والدراسات.
وهكذا كل شعور واسع النطاق في طبيعة الإنسان.
فما من شعور متغلغل في أصول الطبيعة يقبل التفسير على وجه واحد والانطواء في هيئة واحدة، ولو كان مقصورا على العالم المحسوس فضلا عن عالم الغيب أو عالم ما بعد الطبيعة.
فلا يكفي في تفسير الحب مثلا أن نفسره بحب البقاء أو بحب الجمال أو بحب اللذة أو الغلبة أو بحب التضحية والمفاداة.
ولا يكفي في تفسير الوطنية مثلا أن نفسرها بالمصلحة أو باللغة أو بوحدة التاريخ أو بوحدة المكان أو بوحدة الدين أو بعصبية القرابة.
فالمسألة الكونية - بل المسألة الأبدية - أعظم جدا من المسألة النوعية أو المسألة الوطنية، وأحق من جميع المسائل بتعدد الأسباب وتشعب المناحي وغرابة الأطوار.
অজানা পৃষ্ঠা