169

فآراء جون ستيوارت مل كانت نواة للفلسفة الإلهية الحديثة في البلاد الإنجليزية، وساعدتها الآراء التي تتابعت على أثرها واحدة بعد الأخرى، فلم يكد يظهر من الفلاسفة الإنجليز في القرن العشرين فيلسوف واحد يخلو مذهبه من آثار هذه الآراء متجمعات أو متفرقات.

وفي وسعنا أن نطلق عنوانا واحدا على هذه المذاهب في جملتها؛ لأنها تقوم على أساس واحد وإن تنوعت في التخريج والاتجاه، فهي كلها صالحة لأن تسمى باسم «التطور الانبثاقي» أو «التركيب المنتخب» على حد سواء، ويتضح معنى هذه التسمية من تلخيص المذهب كله فيما يتصل بموضوع هذا الكتاب.

ومن المتعذر مع هذا أن نلخص المذهب كله كما شرحه جميع الكاتبين فيه، فقد خاض في شرحه وتخريجه طائفة من الفلاسفة يتجاوزون العشرين، ونحا كل منهم منحى يعارض به زميله في لباب المذهب أو قشوره، فليس من المفيد في مقصدنا هذا أن نحيط بجميع هذه الفوارق والمعارضات، ولكننا نجتزئ بأكبر هذه الشروح وأبرزها وأدلها على الغاية من جملة تلك الأقوال، ولعلنا نخرج منها بالخلاصة الكافية إذا اقتصرنا على شروح ثلاثة من أساطينه وهم مورجان والإسكندر وسمطس، وهم نخبة القائلين بالتركيب والانبثاق. •••

ولد لويد مورجان

Lioyd Morgan

في سنة 1852 وتعلم هندسة المناجم وعلم طبقات الأرض، ثم حضر دروس البيولوجية على العلامة توماس هكسلي، ووعى في صباه مختارات جيدة من الشعراء المحدثين والأقدمين، وحثه أستاذه وهو في أثناء فترة التمرين على مطالعة الفيلسوفين بركلي وهيوم، فقرأهما كما قرأ فلسفة ديكارت وسبنوزا وليبنتز، وزاول التدريس في شعاب شتى من الثقافة العصرية بينها من التفاوت ما يدل على سعة الأفق وغزارة الاطلاع، ومنها العلوم الطبيعية والتاريخ الدستوري وآداب اللغة الإنجليزية وعلم طبقات الأرض وعلم الحيوان، وكان أول تدريسه في أفريقية الجنوبية، ثم عاد إلى إنجلترا فأسندت إليه مهمة التدريس في كلية بريستول فترقى فيها إلى منصب العمادة خلال سنوات معدودات.

وكان مذهبه في مبدأ الأمر تعديلا لمذهب هربرت سبنسر الذي يقول بأن الارتقاء في عالم المادة العضوية وغير العضوية على السواء - هو انتقال من البساطة إلى التركيب ومن التشاكل إلى التنويع، فكان من رأي مورجان أن الانتقال من البساطة إلى التركيب لا يكفي لتفسير ظهور الحياة ما لم يكن في التركيب شيء جديد، وقال بأن التركيب يخلق الشيء الجديد على النحو الذي قدمناه في تولد الماء من الهيدروجين والأكسجين، وقال كذلك باستقرار الخصائص النفسية أو الحيوية في المادة من أقدم الأزمان، وإنما يتوالى التركيب فتبرز الخصائص النفسية بعد أن كانت مكنونة في حالة التفرد والبساطة، ومثل الأشياء في ذلك كمثل الهرم الذي يتسع من أسفله ويتحدد في أعلاه، فالمادة هي قاعدته السفلى والعقل هو قمته العليا، وكل طبقة فيه تعلو على طبقة تحتها فإنما تعلو ببروز الخصائص النفسية بعد الخفاء.

ودرجات الارتقاء عنده هي المادة في صورتها البسيطة المفردة، ثم المادة في أخلاطها الطبيعية الكمية، ثم الحياة، ثم العقل، وهو أرقى ما وصلت إليه الموجودات، ولكنه طبقة جديدة من خاصة قديمة مستكنة في أبسط الموجودات، ففي وسعك أن تقول عقل الذرة وعقل الجماد وعقل الشجرة؛ لأنها جميعا لا تخلو من عنصر العقل إما على حالة من النزارة التي تكفيها في كيانها، وإما على حالة الاستقرار والاستكنان إلى أن تبرز البروز المعهود في عقل الإنسان.

ومجمل القول في الاتصال بين العقل والمادة أنهما يتطوران معا ولا يتطور أحدهما من الآخر، ولكنهما متلازمان لا ينفصلان فلا عقل بلا مادة ولا مادة بلا عقل في شيء من الأشياء.

وكان مورجان يسمي مذهبه هذا «بمذهب التركيب المنتخب» أي التركيب الذي ينتقي من المركبات صفوة بعد صفوة من خصائص الوجود

অজানা পৃষ্ঠা