Holism
من كلمة إغريقية بمعنى «الكل الكامل.»
وخلاصة الفكرة الأساسية في هذين المذهبين أن المادة تتجه إلى التركيب أو تكوين المركبات الكاملة، وأن الحياة تظهر فيها عند التركيب كما تظهر الخصائص الكيمية من بعض العناصر عند امتزاجها، ولم تكن قبل ذلك ظاهرة في هذه العناصر على انفراد، ومذهب صمويل إسكندر أعم من مذهب المارشال سمطس في هذه الفكرة؛ لأنه يقول بأن العقل الإلهي نفسه قد نشأ في الكون على هذا المنوال، فكانت المادة من أزل الآزال ثم بزغ منها العقل الإلهي في طور من أطوار التفاعل والتآلف بين الذرات والأجزاء.
والمسألة هنا كما نرى مسألة اعتقاد وتقدير، ومتى كانت كذلك فلا ندري لماذا يسهل على العقل البشري أن يتصور الله مخلوقا من المادة ولا يتصور المادة مخلوقة بقدرة الله؟ ولماذا يرجح ذلك الاعتقاد على هذا الاعتقاد؟
أما القول بأن المادة تتجه إلى التركيب فتنبثق الحياة منها ضرورة في بعض الأطوار فليس فيه تفسير لظهور الحياة، بل كل ما فيه أنه وصف للظواهر الحية التي يقع عليها الحس ونعرفها بالاختبار، فقد شوهدت الأجسام الحية فقيل إن المادة تميل إلى تكوين الأجسام الحية ووقف التفسير عند تسجيل الظواهر المحسوسة واعتبار وجودها تفسيرا لأسباب هذا الوجود.
لكن هذا القول لا يفسر لنا اختصاص بعض الأجزاء بظهور الحياة فيها دون جميع الأجزاء التي تشتمل عليها الأكوان في الأرض والسماء، فإن أجزاء المادة قد بدأت معا ولم تبدأ بفروق بينها تستلزم أن يتركب بعضها ويبقى سائرها بغير تركيب، فلماذا وقع فيها هذا الاختلاف؟ بل لماذا كان هذا الاختلاف مقصودا لتدبير البيئة التي تعيش فيها الحياة، وموافقة هذه البيئة لمطالب الأحياء من غذاء وحركة وامتياز عما حولهم من الجماد.
وإذا فرضنا أننا استطعنا في يوم من الأيام أن نركب عناصر المادة كما تتركب في جسم الكائن الحي المريد فهل تبرز فيها الحياة على المنوال الذي وصفوه؟ وإذا أتينا إلى رجل بعينه فاتخذناه مثالا للتركيب، ووضعنا في المخلوق المركب نموذجا لكل خلية من خلايا جسمه بمادتها الطبيعية، فهل تظهر في هذا المخلوق المركب أعراض الأخلاق الموروثة والملكات العقلية والخصائص التناسلية التي ينقلها الآباء إلى الأبناء؟ ترى لو أننا ركبنا أسدا بخلايا جسمه كلها، هل ينجم هذا الأسد مفترسا محبا لأكل اللحوم صالحا لتوليد الأشبال من اللبؤات؟ ترى لو أننا ركبنا بلبلا بخلايا جسمه كلها، هل ينجم هذا البلبل مغردا يتعشق الورود ويألف الغناء بالليل ويخشى الصقور والنسور كما تخشاها هذه البلابل المتوالدة من الذكور والإناث؟ ترى لو ركبنا رجلا على مثال أهل الصين ورجلا على مثال الزنوج ورجلا على مثال الهنود الحمر ورجلا على مثال الأمريكيين البيض هل تكفي محاكاة الخلايا المادية لإبراز ما بين هذه الأجناس من الفروق والمزايا، ومن العداوة والصداقة، ومن الأذواق والشهوات؟ وهل يسعى هذا الرجل إلى الزوجة أو المعشوقة كأنه الرجل الأصيل؟ وهل يحنو على الوليد كأنه أبوه؟ وهل يتكلم اللغة التي يتكلمها صاحب النموذج المحكي في تركيب الخلايا والأعضاء؟
الواقع أن خلايا الحياة تحمل في تركيبها من الخصائص ما لا تحمله خلية أخرى في عالم المادة جمعاء، وأول هذه الخصائص قابلية التكرار والتنويع وتعويض النقص وحفظ النوع وتجديده على النحو الذي ينفرد به كل نوع من الأنواع، فكل خلية في الجسم تعمل ما ينبغي على النحو الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي أن تعمل فيه، وأعجب العجب في توزيع أعمالها إنما هو ذلك التنويع المعجز الذي يظهر من خلية واحدة يضعها الذكر وخلية واحدة تضعها الأنثى، فتنقسم بالمقدار اللازم لتكوين الجسم كله، وتذهب كل خلية إلى موضعها في القلب أو الرئة أو الكبد أو الدماغ، فيتسق منها الجسم وتجري فيها وظائف الحياة، وليس يقتصر عملها بعد ذلك على الانتظام في بنية واحدة، بل تنحل وتندفع الأجزاء المنحلة إلى حيث ينبغي أن تندفع، وتتلقى البنية العوض الذي يعيدها إلى الانتظام من جديد، حتى الخلايا التي تتجه إلى تكوين الأسنان مثلا تتجه بالمقدار الذي يحفظ لكل سن مادتها وحجمها وعملها في مضغ الطعام، وتتجه في وقتها وأوانها وعلى حسب الحاجة إليها، وتتجه في كل نوع على حسب المعهود في ذلك النوع مع وحدة المادة التي تتألف منها في جميع الأنواع، ومن اللغو الهازل أن يقاس هذا التقسيم العجيب إلى تقسيم البلورات التي تتكرر على نحو واحد في بعض المواد، فإن العوامل الآلية تحدث هذا التكرار ولا يمكن أن تحدث سواه، ولكن الأمر يحتاج إلى عوامل غير العوامل الآلية العمياء لتفسير هذا القصد المحكم في وضع كل خلية تتركب منها أجسام الأحياء.
والحكم العقلي المستقيم إذا رأينا عملا يحقق قصدا أن نفهم أن القصد له قاصد مريد، إلا إذا كان واجب العقل أن ينكر كل قصد ولا يقبل تفسيرا غير تفسير المصادفة والاتفاق، وهل للعقل أن يفترض المصادفة إلا إذا استحال عليه أن يفترض القصد والإرادة؟ أو كان التفسير بالمصادفة والاتفاق أيسر وأوضح من التفسير بعمل القاصد المريد؟
إن بعض العلماء البيولوجيين يزعمون أن قوانين المادة وحدها كافية لتفسير ظواهر الحياة في الأجساد، ويخيل إلى بعض الناس أن «البيولوجيين» أحق العلماء بالحكم الفصل في هذا الموضوع، لأن علمهم يسمى على الألسنة بعلم الحياة.
অজানা পৃষ্ঠা