132

وخلف ديكارت وبركلي في القارة الأوروبية والجزر البريطانية فلاسفة كثيرون من ذوي الآراء المعدودة في الحكمة الإلهية، أشهرهم سبنوزا وليبنتز في أوروبة، وهيوم ومل وهاملتون وريد في الجزر البريطانية، عدا فلاسفة ألمانيا الذين ظهروا في القرن التاسع عشر قبل الفلسفة المعاصرة، وأشهرهم كانت وهيجل وشوبنهور.

ومذهب سبنوزا 1634-1677 أن الله والكون والطبيعة جوهر واحد؛ لأن الجوهر ما قام بنفسه، أو هو واجب الوجود، وهو لا يتعدد.

ولهذا الجوهر فكر وامتداد، وكل ما في الوجود من المعقولات والمحسوسات فهو مظاهر للفكر أو للامتداد، فالفكر تبدو مظاهره في عقل الإنسان، والامتداد تبدو مظاهره في هذه الأجسام.

والله علة الأشياء كلها بالمعنى الذي نفهمه من أنه هو علة نفسه، فليس خارج اللانهاية شيء، والله هو اللانهاية، وإنما الفرق بين الله ومجموعة الظواهر المتفرقة أن مجموعة الظواهر المتفرقة تمثل الجانب المخلوق

Natura Naturata

وأن الله يمثل الجانب الخلاق

Natura Naturans .

فإذا قال قائل: إن هذا الإنسان يفكر، يفهم سبنوزا أن الله هو الذي يفكر بمقدار ما يتجلى في ذلك المظهر، وكذلك إذا قلنا إن تلك الشجرة تنمو أو ذلك الكوكب يتألق، فكل ذلك هو مظاهر إلهية تتراءى لنا في صورة الأعراض لأننا نحن أنفسنا من الأعراض.

وسبنوزا لا يصف الله بالإرادة والسمع والبصر والرضا والغضب والحكمة؛ لأن الله لا يمكن أن يتحول إلى حالة أكبر أو حالة أقل من وجوده فيرضى أو لا يرضى ويريد أو لا يريد، وهو - لأنه جوهر قائم بذاته - ليس وراءه شيء يحتاج إليه، فإذا أسندت هذه الصفات إلى الله وجب أن نقصي من أذهاننا كل مشابهة في الحقيقة أو المجاز بينها وبين الصفات التي نسندها إلى المخلوقات، وإنما هي أوهامنا نحن تمثل لنا هذه المشابهات ، ولو أن المثلث عقل نفسه لحظة لخيل إليه أن الله مثلث الأركان.

والله لا يعمل الشر ولا يعلمه؛ لأنه ليس هنا شر بالقياس إلى اللانهاية، ولكنه يأتي من اكتفاء كل جزء من هذه الأعراض المحسوسة بنفسه كأنه جزء منفصل عما حوله، أو هو نفي وليس بثبوت، وليس في حق الله نفي بل كله ثبوت، ولا يعرض النفي إلا للمحدود الذي ينقص ويزيد.

অজানা পৃষ্ঠা