فقد جعله كفؤا للعالم بأسره بل يزيد عليه؛ لأن من ربح العالم وفقد ضميره فهو مغبون في هذه الصفقة الخاسرة. «وماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، وماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟»
والطهر كل الطهر في نقاء الضمير، فمناط الخير كله فيه ومرجع اليقين كله إليه: «فليس شيء من خارج الإنسان يدنسه، بل ما يخرج من الإنسان هو الذي يدنس الإنسان.»
وهناك حياته وبقاؤه : «فليس حياته من أمواله ...»
وهناك قوامه وطعامه: «فليس بالخبز وحده يحيا ... بل بكل كلمة من كلمات الله ...» و«... الحياة أفضل من الطعام.»
وكان ينعي على القراء والعاكفين على التلاوات ومراسم العبادة فرط الولع بظواهر الأفعال دون حقائق الإيمان، ويقول لهم: «نقوا الكأس من داخلها» فظاهرها لا يضير ما فيها.
وكان ينكر كل ما يراد به الظاهر ولا ينبعث من أعماق الوجدان، فلا إحسان عنده لمن يتراءى بالإحسان؛ لأنه تاجر أخذ ربحه، فلا حق له عند الله: «احترزوا من صدقة تصنعونها أمام الناس، وإلا فلا أجر لكم عند أبيكم الذي في السموات، وإذا بذلت الصدقة فلا تنفخ أمامك بالأبواق كما يفعل المراءون تفاخرا بين الناس، فالحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم، فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك، فأبوك الذي يراك في الخفاء يجزيك في العلانية.»
وكل شيء في عالم الحس ينقاد لقوة الضمير: «فلو كان لكم إيمان كحبة خردل لأمرتم هذه الشجرة أن تخرج من منبتها وتنغرس في ماء البحر فتطيع.»
وعلى تبشيره بالرحمة والمحبة لم يكن ينكص عن الثورة في عالم الروح؛ لأنها هي الثورة التي تستحق أن تثار: «جئت لألقي نارا فماذا علي لو اضطرمت النار؟»
فجانب الضمير هو الجانب الذي توجهت إليه رسالة السيد المسيح، ورعاية الله لروح الإنسان هي الملاذ الذي رأى الناس منصرفين عنه فعاد بهم إليه.
وكانوا يؤمنون بالله الخالق وبالله الذي ينزل عليهم الشرائع ويحاسبهم على الطاعة والعصيان، ولكنهم نسوا رعاية الله ولم يريدوا أن يحبوه كما أرادوا أن يطيعوه، فعلمهم أن الله محبة، وأن أقرب الناس إلى الله من أحب الله وأحب خلق الله، ومنهم المطرودون والعصاة، ولا يستحق غفرانه من لم يتعلم كيف يغفر للمسيئين إليه: «... إن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإن تاب فاغفر له، وإن أخطأ إليك سبعا في اليوم وتاب إليك سبعا في اليوم فاقبل توبته واغفر له.»
অজানা পৃষ্ঠা