قال: قال الجارود: ثم قام قيس بن ثعلبة العبدي فقال: أيها الناس، هذا حنظلة بن نهد النهدي معدن الحكماء، ومآوى الضعفاء، ومطعم الجائع، فهل فيكم اليوم له نافع، أولما حل به دافع. أيها الناس، إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيئا، وسنعود إلى مبدينا، فإما رشدا وإما غيا، وإنما العوازي اليوم والهبات غدا، ولا بد من رحيل إلى محل نازح، ثم سرد كلاما في هذا المعنى وأنشاء يقول:
يا قلب إنك في أسماء مغرور .... أذكر فهل ينفعنك اليوم تذكير
قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد .... حتى بدت لك اطلاق محاضير
تأتي أمور فما تدري أعاجلها .... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاسترزق الله خيرا وارضين به .... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرئ في الأحياء مغتبطا .... إذ سار في الرمس تعفوه الأعاصير
إلى آخرها.
قال: وقام قس بن ساعدة الإيادي، وهو أول من قام على عصى، وأول من قال: أما بعد، فقال: أيها الناس، أما بعد فإن هذا حنظلة بن نهد النهدي حامل المشاة، ومنعل الحفاة، فهل فيكم اليوم له مواس، أو لما حل به من مقاس. أيها الناس، ألا ترون إلا ما أرى، أرى سماء وأرضا، ورفعا وخفضا، وشرقا وغربا، ويابسا(1) ورطبا، وملحا وعذبا، وشموسا وأقمارا، وليلا ونهارا، وأرياحا(2) وأمطارا، وأياما وشهورا، وإناثا وذكورا، وجميعا(3) وأشتاتا، وأحياء وأمواتا، وعظاما ورفاتا، وآيات في إثر آيات، ونورا وظلاما، ويسرا وإعداما، وربا وأصناما، فيا أرباب الغفلة ليجدن كل عامل عمله، أين القرون الماضية تلك بيوتهم خاوية سكينها السباع العاوية.
إلى قوله: كلا بل هو الله واحد ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدا، وأمات وأحيا، وخلق الذكر والأنثى، وإليه المآب غدا، وآمنت بالذي أنزل من السماء ماء زلالا وحمل الأرض صخرا ثقالا.
পৃষ্ঠা ৪১