103

روي أن ملك (الروم) أهدى لهارون الرشيد جملة سيوف قلعية، فأمر الرشيد بإحضار الصمصامة فجعل يقط به تلك السيوف سيفا سيفا كما يقط الفجل، ثم أراهم حد الصمصامة فإذا ليس فيه فل ولا أثر، وكان ملك ذي قيفان تسع عشرة سنة، فولى(1) مملكة التبابعة بعده لخيعة ذو شناتر، ولم يكن من أهل بيت الملك، وأعزى بالأحداث من بني الملوك، وكان يطالبهم بما يطالب به النسوان، وكان ممن طالبه بهذه الخصلة ذو نواس المذكور، فاتفق له معه قضية كانت السبب في قتله، وزبدتها أنه طالبه بنفسه، فخبئ معه سكينا لطيفا بين قدمه ونعله فوجأه به حتى قضى عليه ثم جز رأسه وجعله في كوة كان يشرف منها لخيعة على عبيده إذا قضى حاجته من الغلام، ويجعل المسواك في فمه أمارة أنه قد قضى حاجته من الغلام الذي يكون معه، فلما قتله ذو نواس واستراح أهل اليمن منه على يديه ولوه عليهم، وكان على دين اليهود فشكى إليه يهود نجران غلبة النصارى لهم فنهض ذو نواس إلى نجران بالجنود فحفر الأخدود، وأضرم فيه النار، وخير النصارى بين الرجوع عن دينهم أو أن يحرقهم بالنار فمنهم من رجع ومنهم من لم يرجع، وفيه وفيهم نزلت الآيات: {قتل أصحاب الأخدود}[البروج:4]...إلخ، فلما صنع ذو نواس بالنصارى ما صنع غضب ذو ثعلبان الأصغر من ولد ذي ثعلبان الأكبر فمضى إلى ملك (الحبشة)، وقيل: إنه مضى إلى قيصر فاستنصره فاعتذر ببعد بلاده، وقال: سأكتب لك إلى ملك (الحبشة) فإنه على هذا الدين، وهو أقرب إلى بلادك فكتب له إلى ملك (الحبشة) ودينه دين النصارى فشكى عليه ماصنع ذو نواس، فبعث معه قائدا في ثلاثين ألفا إلى اليمن فلقيهم ذو نواس فقال: نحن سامعون مطيعون فدونكم اليمن فهذه مفاتيحه وأتى بمفاتيح تحملها إبل كثيرة فقبلوا منه، وافترقت الحبشة في مخاليف اليمن فلما صارو بها كتب ذو نواس إلى رؤساء حمير أن يذبحوا كل ثور عندهم أسود فقتلوهم حتى أفنوهم، وبلغ ذلك النجاشي فعلم أنه قد غدر بهم(1)، فوجه قائدين في جيش عظيم، يقال لأحدهما: أبرهة الأشرم، فلقيهم ذو نواس بمن معه فلما رأى أنه لا طاقة له بهم اقتحم البحر بنفسه وفرسه ثم أن النعمان بن عفير، والنعمان هذا هو أبو سيف(2) بن ذي يزن جمع جموعا من اليمن فقابل الحبشة بالسحول فهزم وسار إلى حقل شرعة فيمن تبعه من أهل اليمن فلحقتهم الحبشة واستولت الحبشة على اليمن، وتنازع(3) أرباط وأبرهة في ملك اليمن واصطفوا للقتال فقتل أبرهة أرباط، ووقع في إبرهة ضربة شرمت حاجبه وعينه، وبذلك سمي الأشرم غضب النجاشي من ذلك فبعث إليه أبرهة من يرضيه فرضى عنه، وملكه اليمن، فلما(4) تمكنت الحبشة من اليمن خرج سيف بن ذي يزن إلى كسرى وهو أنوشروان صاحب الإيوان، وكان محمد نبينا صلى الله عليه وآله مولودا في وقته يستنصره فأمر معه بمن في سجونه، واختار رجلا من المسجونين قوده عليهم يسمى وهرز، وقواهم بالسلاح، وكانوا في مركبين فغرق أحدهما وسلم الأخر الذي فيه وهرز وسيف، فخرجوا إلى ساحل (عدن) فلقيهم مسروق بن يكسوم بن أبرهة الأشرم بجموع الحبش فاقتتلوا هناك(5)، وقتل وهرز مسروق بن يكسوم وانهزمت الحبشة، وقد كان اجتمع أهل اليمن في لقاء سيف فحضروا الوقعة، وانتفت الحبشة من اليمن، وملك من سلم منهم من القتل، وملك كسرى سيف بن ذي يزن على اليمن، وانصرف وهرز فجعل سيف يقتل الحبشة، وبقي منهم بقية يسعون بين يديه بالخراب فوثبوا [عليه](6) وقتلوه فبعث كسرى بوهرز إلى اليمن في أربعة آلاف فدخل اليمن فلم يترك حبشيا صغيرا ولا كبيرا ولا عربيا أمه حبشية إلا قتله، ثم توارث أولاد بوهرز ملك اليمن، ثم ملك بعدهم باذان، وفي أيامه بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هكذا ذكره الحاكم في (السفينة).

পৃষ্ঠা ১০১