فهل تنبأ يسوع فعلا بموته وقيامته من الموت؟ إن مسار أحداث ما بعد الصلب يشير إلى أن التلاميذ لم يسمعوا من يسوع مثل هذه النبوءة قط، ولم يخطر ببال أحدهم ولو على سبيل الأمنية أن يسوع قد يقوم من بين الأموات. ولا أدل على ذلك من أن من اكتشف القبر الفارغ لم يخطر له أن يسوع قد قام حقا وصدقا، ومن سمع بقصة القبر الفارغ منهم لم يصدق الخبر ولم يفسره بقيامة يسوع وإنما بدا له هذا القول نوعا من الهذيان. وعندما ظهر للرسل جميعا وهم مختبئون في غرفة محكمة الإغلاق، جزعوا وخافوا وظنوا أنهم يرون روحا ولم يصدقوا حتى أكل أمامهم. ويلفت نظرنا بشكل خاص في قصص ظهورات يسوع، ما قاله يسوع للتلميذين اللذين لم يتعرفا عليه عند ظهوره لهما: «أيها الغبيان والبطيئا القلب عن الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي على المسيح أن يعاني هذا الآلام فيدخل في مجده؟» ثم يستطرد مؤلف الإنجيل قائلا: ثم أخذ يفسر لهما الأمور المختصة بما ورد في جميع الكتب من موسى إلى سائر الأنبياء (لوقا، 24: 25-27). فيسوع هنا لم يوجه أنظار التلميذين إلى أقواله السابقة بخصوص قيامته في اليوم الثالث، وإنما إلى ما ورد في النبوءات التوراتية بخصوص آلام المسيح وقيامته. كما نلاحظ الشيء نفسه في تفسير مؤلف إنجيل يوحنا لعدم تصديق التلاميذ قيامة يسوع عندما قال: «لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من بين الأموات» (يوحنا، 20: 9).
والآن إذا لم يكن التلاميذ قد تلقوا من يسوع تعليما بخصوص موته في أورشليم ثم قيامته في اليوم الثالث، فكيف تكونت هذه العقيدة وما هو أصلها؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نلفت النظر إلى أن مؤلفي الأناجيل الأربعة كانوا ذوي خلفية ثقافية توراتية، وأن أحدا منهم لم ير يسوع أو يسمع منه، على ما يقول به المفسرون غير الكنسيين من هنا فقد كانت المهمة المطروحة عليهم والتي وجدوا أنفسهم ملتزمين بها، هي أن يفسروا لمستمعيهم ما وصلهم من سيرة يسوع بما يتفق والنبوءات التوراتية بخصوص المسيح القادم المنتظر. وفي غمرة حماسهم وجدوا من المناسب أحيانا أن يضعوا على لسان يسوع أقوالا وأن يبتكروا أحداثا من شأنها تفسير هذه الأقوال وإيجاد المناسبات الملائمة لها. وعلى الرغم من أن المسيح الذي آمنوا به لم يكن يشبه في شيء المسيح اليهودي المنتظر، لأن مملكته على ما صرح في المحاكمة ليست من هذا العالم (يوحنا، 18: 36)، إلا أنهم وجدوا ضالتهم في عدد من المقاطع التوراتية، التي فسروها على أنها استباق رؤيوي لحياة يسوع ومصيره.
لقد كان في حوزة مؤلفي الأناجيل المتضلعين في الأسفار التوراتية مجموعة كبيرة من المقاطع الكتابية، التي كان الاعتقاد في زمنهم سائدا بأنها نبوءات عن مسيح آخر الأزمنة، حاولوا من خلالها رسم سيرة ليسوع تنطبق عليها هذه النبوءات، ولو على حساب ابتكار بعض الأقوال المنسوبة إليه أو بعض الأحداث في سيرته. وإليكم فيما يلي قائمة بأهم النبوءات وكيف طبقها الإنجيليون على حياة يسوع: (1)
سيكون وارثا لعرش داود أبيه: ⋆ «لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا، وتكون الرياسة على كتفيه، ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، أبا أبديا، رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد» (إشعيا، 9: 6-7).
«لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد» (لوقا، 1: 30-33). (2)
يولد في بيت لحم: ⋆ «أما أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني في ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (ميخا، 5: 2).
«وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل» (متى، 2: 6). (3)
يولد من عذراء: ⋆ «ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل» (إشعيا، 7: 14).
«يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك؛ لأن الذي تحمله هو من الروح القدس ... وكان هذا كله ليتم ما قيل بالنبي القائل: هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا ... وتدعو اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا» (متى، 1: 20-23). (4)
অজানা পৃষ্ঠা