قال يسوع: الجسم العالة على جسم ما أشقاه، والنفس العالة على هذين الاثنين ما أشقاها! (الفقرة 87). (المقصود بالجسم الأول هو جسم الإنسان، والجسم الثاني هو العالم.)
قال يسوع: السماوات والأرض سوف تدرج أمام أنظاركم، ولكن من يحيا في الواحد الحي لن يرى الموت. ألم أقل لكم إن من وجد نفسه فالعالم ليس أهلا له.
مثل هذه الأفكار هي التي آمنت بها الحلقة الضيقة من أتباع يسوع، والتي عبر أفرادها إلى أسرار ملكوت الله التي لم تكن متاحة للذين هم «من خارج»، على حد وصف يسوع (راجع إنجيل مرقس، 4: 10-12). وعندما مات معلمهم كانوا على ثقة من أنه قام في اليوم الثالث قيامة روحية وجلس عن يمين الآب؛ لأن العالم الروحاني في الملأ الأعلى لا يقبل في نسيجه جسدا ثقيلا جاء من عالم المادة، وهذا الجسد سوف يكون غريبا في ذلك العالم مثل غربة ذلك العالم عنه. وإذا كان يسوع قد قام روحيا فإن هذه القيامة ستكون متاحة لكل من آمن به وسار على طريقه.
وقد عبر بولس الرسول في رسائله بأوضح شكل عن هذه التعاليم التي تلقاها من تلاميذ يسوع عندما تعمد ودخل إلى أسرار ملكوت الله. فبولس لم يتحدث أبدا عن قيامة جسدية ليسوع، ومن رآه من التلاميذ بعد قيامته قد واجهه على المستوى الروحاني. فالجسد عند بولس يشكل غربة عن الله، والإنسان لا يدخل ملكوت الله إلا إذا تخلى عن جسده. يقول في رسالته الثانية إلى أهالي كورنثة: «ولذلك لا نزال واثقين كل الثقة عارفين أننا ما دمنا في هذا الجسد فنحن متغربون عن الرب لأننا نهتدي بإيماننا لا بما نراه. فنحن إذن واثقون، ونفضل أن نغترب عن هذا الجسد لنقيم مع الرب» (2 كورنثة، 5: 6-8). والجسد الذي يدفن في القبر يكون جسما ماديا ولكنه يبعث جسما روحانيا: «يدفن الجسم في فساد ويقام في عدم فساد، يدفن في هوان ويقام في مجد، يدفن في ضعف ويقام في قوة، يدفن جسدا حيوانيا ويقام جسما روحانيا ... كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضا، وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضا صورة السماوي. أقول لكم أيها الإخوة إن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد» (1 كورنثة، 15: 42-50).
في هذا المقطع يبسط بولس جوهر تعاليم يسوع المتعلقة ببعث الروح وخلودها، ويعبر عن الشكل الأقدم لعقيدة القيامة كما آمن بها الخاصة من تلاميذ يسوع، وكما فهموا من خلالها قيامة معلمهم. فإذا كان الفساد لا يرث عدم الفساد، فإن يسوع لم يصعد إلى السماء بجسده العنصري وإنما بروحه، أو بجسده المجيد الذي تغير، على حد تعبير بولس: «أما نحن فموطننا في السماوات، ومنها ننتظر المخلص يسوع المسيح، الذي يبدل جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد» (فيليبي، 2: 20-21). وعندما تحدث بولس عن ترائي يسوع القائم من بين الأموات للرسل ثم ترائيه له أخيرا وهو على الطريق إلى دمشق، فقد كان يتحدث عن مواجهة مع يسوع على المستوى الروحاني لا على المستوى المادي. ويسوع عندما كلم بولس لم يظهر له في هيئة مادية وإنما عبر عن حضوره من خلال نور سطع من السماء وأضاء حول بولس. نقرأ في سفر أعمال الرسل: «وإنه لسائر وقد اقترب من دمشق، إذن نور من السماء قد سطع حوله، فسقط إلى الأرض وسمع هاتفا يقول له: شاؤل، شاؤل، لماذا تضطهدني؟ فقال له: من أنت يا سيدي؟ قال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده» (أعمال، 8: 3-5).
كيف إذن تحولت قيامة يسوع من قيامة روحانية آمن بها بولس بعد أن شعر بحضور يسوع غير المرئي، إلى قيامة جسدية عند مؤلفي الأناجيل الذين حشدوا لها عددا من الشهود لم تتفق شهاداتهم بخصوص ما رأوا وما سمعوا؟ في الحقيقة لا يمكننا فهم هذا التحول إلا من خلال صراع التيارات المتخالفة ضمن الجماعات المسيحية المبكرة، ورجحان كفة اليهود المتنصرين من ذوي الخلفية الفريسية، والذين جلبوا معهم فكرة بعث الأجساد وفرضوها على العقيدة المسيحية خلال عقود التكوين الأولى.
على أن مفهوم البعث الروحاني ليسوع بقي حيا لدى الفرق المسيحية الغنوصية وكان بمثابة حجر الزاوية في تعاليمها التي لا ترى في القيامة الجسدية سوى مباركة الجسد المادي الذي يسعى الغنوصي للتخلص منه. والمسيحيون الغنوصيون ينقسمون إلى فريقين في نظرتهم إلى قيامة يسوع. فالفريق الأول يميز بين يسوع الأرضي المولود من امرأة والمسيح السماوي الموجود لدى الآب منذ القدم، وقد هبط هذا المسيح السماوي على يسوع وتطابق معه لحظة خروجه من الماء بعد أن تعمد على يد يوحنا المعمدان، ثم غادره عندما مات على الصليب. ونستطيع تلمس مثل هذه الأفكار في عدد من النصوص المنسوبة إلى المعلم فالنتينوس الذي كان عضوا في كنيسة الإسكندرية قبل أن يؤسس طائفته الغنوصية الخاصة، ونصوص أخرى منسوبة إلى تلاميذه، ومنها نص حوار المخلص، والرسالة الثلاثية، وإنجيل الحقيقة، وتفسير الغنوص، وجميعها من نصوص مكتبة نجع حمادي.
6
أما الفريق الثاني فقد تبنى مفهوما أكثر راديكالية؛ إذ يرى أن ظهور المسيح بين الناس لم يكن إلا ظهورا شبحيا على الرغم مما تبدى للناس من ماديته. فلقد هبط المسيح من السماء هبوطا روحانيا وصعد صعودا روحانيا من غير أن تمسه أدران المادة. ويعبر عن هذا الاتجاه أفضل تعبير النص الغنوصي المعروف بعنوان أعمال يوحنا. فقد لاحظ يوحنا خلال مرافقته ليسوع أن قدميه لم تكونا تتركان أثرا على الأرض وأن عينيه لم تكونا ترمشان أبدا. وبعد أن أسلم يسوع إلى الصلب وهرب تلاميذه، مضى يوحنا وقبع في كهف يبكي. عندها تراءى له يسوع وقال له: بالنسبة للناس هناك في الأسفل، أنا مصلوب وخاصرتي مثقوبة بالرمح وأتجرع الخل والمرار، ولكني بالفعل لم أعان أيا من هذه الأمور. وها أنا ذا معك فاستمع لما أقول.
7
অজানা পৃষ্ঠা