1
ووقع بين الجمع خلاف بشأنه وأراد بعضهم أن يمسكوه ولكن لم يلق أحد عليه يدا لأن ساعته لم تكن قد حانت بعد. أما حراس الهيكل فرجعوا إلى أسيادهم، فقال لهم هؤلاء: لماذا لم تأتوا به؟ فأجاب الحرس: ما تكلم إنسان قط مثل هذا الرجل. فقال لهم الفريسيون: أخدعكم أنتم أيضا؟ أرأيتم أحدا من الرؤساء أو الفريسيين آمن به؟ أما هؤلاء العامة من الناس الذين يجهلون الشريعة فهم ملعونون. فقال لهم نيقوديمس وكان منهم: أتحكم شريعتنا على أحد قبل أن تسمعه وتعرف ما فعل؟ ثم انصرف كل واحد إلى بيته. أما يسوع فخرج إلى جبل الزيتون حيث بات الليل وعاد في صباح اليوم التالي (يوحنا: 7). وعلى الرغم من أن المؤلف لا يقول لنا عن المكان الذي كان يبيت فيه يسوع على جبل الزيتون، إلا أننا نعرف من مجريات الأحداث اللاحقة أنه كان يبيت في بيت الإخوة الثلاث مريم ومرتا ولعازر. في اليوم التالي جاء الكتبة والفريسيون إلى الهيكل بامرأة أمسكت بالزنا المشهود، وذلك في القصة التي أوردناها في بحثنا السابق «شخصية يسوع وطباعه».
ورأى وهو سائر أعمى منذ يوم مولده، فصنع عجينة من تراب ممزوجة بلعابه وطلى بها عيني الأعمى وقال له: اذهب فاغتسل في بركة سلوام. فذهب واغتسل فارتد بصيرا، وكان ذلك في يوم سبت. وعندما رجع الرجل إلى يسوع وهو مبصر قال له يسوع: أتؤمن بابن الإنسان؟ أجاب: ومن هو يا سيدي حتى أومن به؟ فقال يسوع: قد رأيته وهو الآن يكلمك. قال: قد آمنت يا سيدي. وسجد له، فقال يسوع: جئت إلى العالم لإمضاء الحكم، حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. فسمعه بعض الفريسيين فقالوا له: أفنحن عميان أيضا؟ فقال لهم: لو كنتم عميانا لما كان عليكم خطيئة ولكنكم تقولون إننا نبصر، فخطيئتكم ثابتة. فقال بعضهم: ليس هذا الرجل من الله لأنه لا يراعي السبت. وقال آخرون: كيف يستطيع خاطئ أن يقوم بمثل هذه الآيات؟ ووقع الخلاف بينهم بشأنه (يوحنا، 9: 1-41).
مضى على يسوع حتى الآن شهران وهو يعلم في الهيكل ويلقي خطبه الطويلة التي اقتبسنا نتفا عديدة منها في الأبحاث السابقة. وفي أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر: «أقيم عيد تجديد الهيكل في أورشليم وذلك في الشتاء. وكان يسوع في الهيكل تحت رواق سليمان، فأحدق به اليهود وقالوا له: إلى متى تترك نفوسنا معلقة؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا. فأجابهم يسوع: إني قلت لكم ولكنكم لا تؤمنون لأنكم لستم من خرافي، فخرافي تسمع صوتي وأعرفها فتتبعني وأنا أهب لها الحياة الأبدية فلا تهلك أبدا ولا يختطفها من يدي أحد. إن الآب الذي وهبها لي أعظم من كل موجود. ما من أحد يستطيع أن يختطف من يد الآب شيئا. أنا والآب واحد. فأتى اليهود بالحجارة ليرجموه، فقال لهم يسوع: أريتكم عدة أعمال صالحة من لدن الآب، فلأي منها ترجمونني؟ قال اليهود: لا نرجمك للعمل الصالح ولكن للكفر، لأنك وأنت إنسان تجعل من نفسك إلها. فأجاب يسوع: ألم يكتب في شريعتكم: أنا قلت إنكم آلهة؟ (والمتكلم هنا هو الرب) فإذا كانت الشريعة تدعو من نزل عليهم وحي الله آلهة، ولا ينسخ الكتاب، فكيف تقولون للذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم: أنت تكفر لأني قلت أنا ابن الله؟ ... فأرادوا أن يمسكوه فأفلت من أيديهم ومضى إلى عبر الأردن إلى المكان الذي كان يوحنا يعمد فيه أولا وأقام هناك» (يوحنا، 10: 22-42).
وهكذا بلغت الأزمة بين يسوع واليهود في أورشليم أوجها، وكان لا بد له من مغادرة المدينة الخطرة فلجأ إلى بيت عبرة على الضفة الشرقية للأردن مع بداية شهر كانون الثاني/يناير، وذلك بعد قضائه ثلاثة أشهر متواصلة في أورشليم. ولكن إقامته في بيت عبرة قطعتها أخبار من الأختين مرتا ومريم تنبئه بأن صديقه لعازر مريض جدا. فلبث في مكانه يومين ثم قال لتلاميذه: لنعد إلى اليهودية لأن صديقنا لعازر راقد وأنا ذاهب لأوقظه. فقالوا له: يا معلم، أتعود إلى هناك وقد أراد اليهود رجمك من قريب؟ (يوحنا، 11: 1-8).
بعد حادثة إحياء لعازر في بيت عنيا ووصول أخبارها إلى أسماع السنهدرين، عقد المجلس اجتماعا وتشاوروا لقتله، ولم يبق إلا انتظار الفرصة المناسبة لذلك فابتعد يسوع عن أورشليم ثانية، وأقام مع تلاميذه في بلدة أفرايم الواقعة على مسافة 20 كم إلى الشمال من أورشليم داخل حدود منطقة السامرة (يوحنا، 10: 17-54).
نحن الآن في النصف الأخير من شهر كانون الثاني/يناير، وقد بقي على عيد الفصح ثلاثة أشهر. فهل بقي يسوع في أفرايم خلال هذه المدة أم أنه عاد إلى أورشليم وتهيأ لرحلة الفصح الثالث؟ إن النص غير واضح بهذا الخصوص، والمؤلف يقول لنا بعد أن أخبرنا بانتقال يسوع إلى أفرايم: «وكان فصح اليهود قريبا فصعد كثير من أهالي القرى إلى أورشليم ليطهروا أنفسهم. فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل: ماذا تظنون؟ هل يأتي إلى العيد أم لا يأتي؟ وكان الأحبار والفريسيون قد أصدروا أمرا أنه إن عرف أحد أين هو فليدل عليه لكي يمسكوه» (يوحنا، 11: 55-57).
ولكن الأرجح أن يسوع قد توجه من أفرايم بعد إقامة قصيرة إلى موطنه في الجليل حيث قضي المدة المتبقية لحلول فصح اليهود. ومما يؤيد هذا الرأي ما أورده لنا متى من تأدية يسوع لضريبة الهيكل وهو في الجليل. وهذه الضريبة كانت تجبى خارج أورشليم قبل شهر واحد من عيد الفصح. نقرأ في إنجيل متى: «ولما جاءوا إلى كفر ناحوم دنا جباة الدرهمين إلى بطرس وقالوا له: أما يؤدي معلمكم الدرهمين؟ فقال بلى. فلما دخل بطرس إلى البيت بادره يسوع قائلا: ما رأيك يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجزية أو الخراج؟ أمن بنيهم أم من الغرباء؟ فقال: من الغرباء. فقال له يسوع: إذن فالبنون معفون. ولكن لا أريد أن أريبهم، فاذهب إلى البحر وألق الصنارة وأمسك أول سمكة تخرج وافتح فاها تجد إستارا (= قطعة عملة تعادل أربعة دراهم) فخذه وأد لهم عني وعنك» (متى، 17: 24-27).
وعلى الرغم من أن الإزائيين قد تجاهلوا هذه الزيارات والإقامة الطويلة ليسوع في أورشليم خلال الزيارة الثالثة، إلا أنهم أوردوا عرضا إشارات نفهم منها أن يسوع قد قضى وقتا لا بأس به في أورشليم قبل الفصح الأخير. فعندما جاء حرس الهيكل للقبض على يسوع في بستان جتسماني عقب العشاء الأخير، قال لهم يسوع وفق ما ورد في إنجيل مرقس: «كنت كل يوم أعلم في الهيكل بينهم فلم تأخذوني. وإنما حدث هذا لكي تتم الكتب» (مرقس، 14: 49). وتعبير «كل يوم» الذي استخدمه مرقس هنا لا يدل على اليومين أو الثلاثة التي كان يسوع يعلم خلالها في الهيكل قبل القبض عليه وإنما يدل على إقامة طويلة في أورشليم. كما استخدم لوقا تعابير مشابهة تعطينا الإيحاء نفسه، مثل قوله: «وكان ذات يوم يعلم الشعب في الهيكل ... إلخ» (لوقا، 20: 1). وقوله: «ثم خرج فذهب كعادته إلى جبل الزيتون» (لوقا، 22: 9). وعلى الرغم من أن لوقا قد تجاهل كل ما يمت بصلة إلى التلميذ الذي أحبه يسوع، إلا أنه أورد ما يدل على معرفة يسوع بمريم ومرتا وتردده على بيتهما في بيت عنيا عندما يقول: «وبينما هم سائرون دخل القرية فأضافته امرأة اسمها مرتا، وكان لها أخت تدعى مريم جلست عند قدمي يسوع تستمع إلى كلامه ... إلخ» (لوقا، 10: 38-42).
هذا التحقيب الزمني الذي قدمه لنا إنجيل يوحنا لحياة يسوع التبشيرية، هو الذي يزودنا بالمقدمة المنطقية لما جرى في أسبوع الآلام.
অজানা পৃষ্ঠা