ولكن من هو مؤلفه؟ إن مقدمة الإنجيل تقول: «الإنجيل بحسب يوحنا». ولكن أي يوحنا هو؟
بعد وفاة بولس الرسول عام 63م، وهو الذي قدم لنا أول أدبيات مسيحية مدونة، لم يمارس أحد تأثيرا كبيرا على العقيدة المسيحية يعادل التأثير الذي مارسه مؤلف إنجيل يوحنا. وهذا ما دعا الكنيسة المبكرة إلى اعتباره واحدا من الاثني عشر، والمطابقة بينه وبين يوحنا بن زبدي صياد السمك الذي كان مع أخيه يعقوب من التلاميذ المقربين إلى يسوع. فهو التلميذ الذي أحبه يسوع، والذي أغفل الإنجيل ذكر اسمه، ولكنه أراد إفهامنا في الإصحاح الأخير بأنه كاتبه. أو أن شهاداته كانت وراء تدوينه.
ولكن المشكلة التي يواجهها دارس إنجيل يوحنا، هي غياب أي إشارة في الإنجيل يمكن أن توحي بالمطابقة بين يوحنا بن زبدي والتلميذ الذي أحبه يسوع. والمؤلف قد تجاهل تقريبا وجود يوحنا وأخيه في حياة يسوع، ولم يأت على ذكرهما إلا مرة واحدة عندما أشار إليهما كابني زبدي دون ذكر اسميهما (يوحنا، 21: 1-2). يضاف إلى ذلك أنه من المستبعد جدا، إن لم يكن من المستحيل، أن يكون يوحنا صياد السمك المتواضع وغير المتعلم هو كاتب الإنجيل الرابع بأسلوبه الأدبي الراقي وطابعه الفلسفي. وقد سبقنا سفر أعمال الرسل إلى الإقرار بعامية وسذاجة يوحنا بن زبدي عندما وصفه مع بطرس بأنهما أميان. فبعد أن أجرى هذان التلميذان إحدى معجزات الشفاء وقاما بعد ذلك يخطبان في الشعب، استدعاهما الكهنة وراحوا يستجوبونهما: «فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا تعجبوا وقد عرفوهما أميين (أو عاميين في ترجمة أخرى) ولا علم عندهما. ولكنهم عرفوا أنهما كانا قبلا من صحابة يسوع. وهم إلى ذلك يرون الرجل الذي شفي واقفا قربهما، فلم يكن لديهم ما يجيبونهم عنه، فأمروهما بالانصراف من المجلس» (أعمال، 4: 13-15). فهل هنالك يوحنا آخر يمكن أن يكون كاتب الإنجيل الرابع؟ وما هي علاقة هذا اليوحنا بالتلميذ المحبوب؟
لقد ورد في بعض الأخبار المتداولة لدى المسيحيين الأوائل، ومنها ما ورد عند إيرنايوس أسقف ليون نحو عام 180م: أن يوحنا الرسول قد انتقل إلى مدينة إفسوس بآسيا الصغرى وعاش عمرا مديدا هناك. وفي أواخر أيامه أقنعه البعض بأن يدون ذكرياته عن يسوع، فأنجز الإنجيل الرابع. ولكن لا يوجد لدينا شواهد من القرن الأول الميلادي على أن يوحنا الرسول (ابن زبدي) قد رحل إلى آسيا الصغرى، وكل ما لدينا من أخباره في العهد الجديد يعود إلى ما قبل عام 60م. فقد ذكر لآخر مرة في سفر أعمال الرسل 8: 14 عندما ذهب مع بطرس من أجل التبشير في منطقة السامرة، كما ذكره بولس في رسالته إلى أهالي غلاطية مع بطرس ويعقوب أخي الرب باعتبارهم أعمدة كنيسة أورشليم (غلاطية، 2: 9) وذلك نحو عام 50م، كما أن سفر الأعمال يخبرنا عن مقتل أخيه يعقوب على يد هيرود أغريبا الأول عام 41م (أعمال، 12: 1-2)، وذكرت أخبار متداولة أخرى أن اليهود قد قتلوا يوحنا نفسه بعد ذلك بفترة وجيزة.
2
ومن الملفت للنظر أن أغناطيوس أسقف أنطاكية في رسالته المعروفة إلى أهالي إفسوس عام 110م، قد خاطبهم بقوله: «يا أهل بولس»، مشيرا بذلك إلى إقامة بولس بينهم منذ عدة عقود ورسالته الموجهة إليهم (الرسالة إلى أهالي إفسوس). ولو أن يوحنا الرسول كان مقيما في إفسوس بين عام 100 و110م عندما أنجز إنجيله هناك، لما تردد أغناطيوس في ذكر ذلك، وكان أحرى به أن يناديهم بيا أهل يوحنا الرسول؛ لأنهم كانوا أقرب عهدا إلى يوحنا منهم إلى بولس.
3
على أن شخصية مسيحية مهمة أخرى كانت نشطة في آسيا الصغرى خلال مطلع القرن الأول الميلادي، يدعوها بابياس في كتابه الذي ظهر عام 144م بيوحنا الشيخ (أو يوحنا القس). وقد التقى بابياس بيوحنا هذا قبل وفاة الأخير عام 130م، عندما كان يجمع مادة كتابه باحثا عن أي شخص عرف أحد التلاميذ المباشرين ليسوع، عله يحصل من هؤلاء على شهادات مباشرة على أحداث الإنجيل. ولكنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن يوحنا الشيخ هذا يمكن أن يكون هو نفسه التلميذ المحبوب.
4
على أن شخصية يوحنا الشيخ ليست غائبة عن أسفار العهد الجديد، لأنه في اثنتين من الرسائل الثلاث المعزوة إلى شخص اسمه يوحنا، نجد أن الكاتب قد قدم نفسه في البداية تحت لقب «الشيخ» (رسالة يوحنا الثانية: 1؛ والرسالة الثالثة: 1). فهل كان يوحنا آسيا الصغرى المعروف بالشيخ أيضا هو مؤلف رسائل يوحنا؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل له صلة بكتابة الإنجيل الرابع؟ وما هي صلته بالتلميذ المحبوب؟ قبل التعامل مع هذه الأسئلة سوف نتوقف لنبحث في ثنايا الإنجيل الرابع عن التلميذ المجهول الذي دعاه المؤلف بالتلميذ الذي أحبه يسوع دون أن يفصح عن اسمه. أم هل لعله أفصح ولكن الباحثين حتى اليوم قد أغمضوا أعينهم عما هو تحت أبصارهم، وذلك بتأثير الأفكار المسبقة المسيطرة؟
অজানা পৃষ্ঠা