الاتجاهات العقلانية المعاصرة أصولها ومناهجها
الاتجاهات العقلانية المعاصرة أصولها ومناهجها
জনগুলি
أسباب الانتقائية عند العقلانيين
المقدم: هل الانتقائية عندهم في الاستدلال -دكتور ناصر - ناشئة عن جهل بالأدلة الأخرى التي تعارض أقوالهم أم عن علم سابق؟ الشيخ: كل هذه أسباب، فهم من النوع الذي لا يحيط بعموم الأدلة كالعلماء الراسخين، ولذلك يندر أن يكون فيهم عالم راسخ، وأقول: يندر لئلا يكون فيما لا أعلم، وإلا فلا أعلم في هؤلاء عالمًا راسخًا.
قد يكون فيهم عالم متخصص معين، وهذا هو سبب هلكته وغروره، أما أن يكون فيهم عالم راسخ شمولي فلا، فهم -إذًا- لا يحيطون بعموم الأدلة، ولا يحيطون بمنهج الاستدلال، وغالبًا ما يأتون بأفكار سابقة كما قلت، وأي إنسان يأتي بفكر سابق أو رغبة معينة سابقة؛ فمن الطبيعي أن يفتن بالدليل؛ لأن حرصه على نوع معين من الاستدلال يكبله ويغلقه، كحال الغلاة، فالغلاة انغلقوا، فهم ينظرون من زاوية وهم لا يشعرون، فحشروا الأدلة مع فكرهم حشرًا، ولذلك لا يأخذون بأدلة السعة، وأدلة الإعذار، وأدلة التيسير، ولا وجود لها في قواميسهم.
المقدم: هذه الأدلة ماذا يصنعون بها؟ الشيخ: يتجاهلونها ويجهلونها، والله ﷿ يعمي أبصارهم عنها، وهذا معنى إخبار النبي ﷺ بأن هؤلاء يمرقون من الدين، فهذا عمى البصيرة، ولذلك كنا نعرف بعضهم قبل أن يقع في هوى الغلو رجلًا منفتحًا على الرأي يناقش بحيوية وأريحية، تجده يتبصر، ولا يستعجل، وعنده نوع من الهدوء والسكينة، فما أن دخله الغلو حتى أصبح عدوانيًا شرسًا مغلقًا، يغضب لمجرد أن تأتيه بدليل يحرجه ويخرج من سمته، فما هو ذاك الرجل الذي كنت تعرف فيه سعة الصدر والحلم والتثبت وبراءة الذمة أبدًا، وهم لا يشعرون، هم أتوا من قبل شدة التدين، لا نقول: ليسوا متدينين، بل هلكوا من شدة التدين، فهذا مثال على هذه المسألة.
وكذلك العكس؛ كي لا نظلم، فأصحاب المنهج الآخر هم أكثر ضيقًا من هؤلاء، لماذا؟ لأن هؤلاء الغلاة أمرهم بيِّن يعرفه العامي الذي هو على الفطرة، أما هؤلاء فأمرهم فيه تلبيس.
المقدم: هؤلاء ينادون بالرأي والرأي الآخر.
الشيخ: ينادون بالرأي الآخر وهم أكبر أعداء للرأي الآخر، ولكن بطريقة ملبسة مهذبة، مثلما نقول: هذا سارق مهذب، أو: كذاب مهذب.
فأولئك الغلاة عندهم من البساطة والسذاجة، والعنف في طرح الرأي.
أما هؤلاء فطرحهم غير مبني على التثبت، ولا قبول الرأي الآخر، ولكن يحتالون على نسف الرأي الآخر بالأساليب الخاطئة.
المقدم: لا يواجهون الرأي الآخر مواجهة، إنما يحاولون أن يحتالوا عليه.
الشيخ: نعم، وهذا منهج ذكره الله ﷿ في كتابه وذكره النبي ﷺ، وهو منهج المنافقين: ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون:٤].
المقدم: إذًا: عندهم خلل كبير في الاستدلال! الشيخ: نعم.
2 / 8