Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
জনগুলি
سبب إقدام الصديق على قتال فارس والروم
ومن أجل أن تفهم هذا القرار ادرس الموقف في ضوء اليقين الذي تحلى به الصديق ﵁ وأرضاه.
الأمر الأول: رسول الله ﷺ بشر بغلبة هذا الدين بصفة عامة على كل الأمم، والأحاديث أكثر من أن تذكر في هذا المجال، لكن على سبيل المثال نذكر ما جاء في صحيح مسلم من قول رسول الله ﷺ: (إن الله زوى لي الأرض ورأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وليس فقط الدعوة التي ستبلغ، بل سيبلغ ملك المسلمين، والصديق يعرف ذلك، ويعرف أن ملك المسلمين سيصل إلى فارس وإلى غير فارس.
الأمر الثاني: أن الصديق سمع البشارة من رسول الله ﷺ أكثر تخصيصًا، فإن رسول الله ﷺ قال لمشركي قريش وكان فيهم أبو جهل: (أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم) والعجم في ذلك الوقت هم الفرس والروم، (فقال أبو جهل: ما هي؟ وأبيك! لنعطيكها وعشر أمثالها، فقال ﷺ: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه، فصفقوا بأيديهم وقالوا: أتريد يا محمد! أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ إن أمرك لعجب) وأبو جهل هذا فعلًا كان أبو جهل، لكن فاز بها الصديق.
فـ أبو بكر كان قد قال كلمة لا إله إلا الله، وسبق بها، وعمل بها، وجيش أبي بكر كذلك، قال الكلمة وصدق بها وعمل بها فلماذا لا ينصر؟ بل العجب كل العجب ألا ينصر؟ الأمر الثالث: أن الصديق ﵁ وأرضاه قد سمع بشارة أكثر تخصيصًا من تلك التي سبقت، فقد كان مع المسلمين في حفر الخندق في الأحزاب يوم اعترضت المسلمين صخرة كبيرة فقام إليها رسول الله ﷺ وضربها وكان مما قال ﷺ: (الله أكبر، أعطيت فارس، والله! إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن) وهذه بشارة في منتهى الوضوح أن أمة المسلمين ستعطى فارس.
الأمر الرابع: أن الصديق رأى بعينه وسمع بإذنه هو دون بقية الصحابة ما حدث في طريق الهجرة من مكة إلى المدينة من أمر سراقة بن مالك، ورأى أقدام فرس سراقة تسوخ في الرمال، ثم سمع رسول الله ﷺ يقول لـ سراقة: (كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟) فالرسول ﵊ يبشر سراقة وسراقة كان حيًا في خلافة الصديق وفي خلافة عمر بن الخطاب بعد ذلك، يقول رسول الله ﷺ: إن بشرى فتح فارس ستكون قريبة جدًا حتى يلبس سراقة سواري كسرى.
الأمر الخامس: الصديق حضر بنفسه مباحثات رسول الله ﷺ مع بني شيبان في مكة، وذلك لما رفض بنو شيبان الدعوة الإسلامية لأنهم اشترطوا شرطًا ألا ينصروه إذا حارب الفرس فإنهم ليست لهم طاقة بحرب الفرس قال لهم رسول الله ﷺ وسمع ذلك أبو بكر الصديق: (أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلًا) ولبعثوا قليلًا فعلًا، يعني: حوالي (٢٠) سنة، و(٢٠) سنة في عمر الأمم تعتبر قليلة، قال: (أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلًا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم -يقصد بذلك الفرس- أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقالوا: لك ذلك).
الأمر السادس أكثر من ذلك: حدث من الصديق ﵁ ما يذهب العجب منك عندما تعلمه، فإنه في أوائل الفترة المكية نزل القرآن الكريم بمقدمات سورة الروم وفيها: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم:١ - ٤]، وكان هذا إخبارًا بما حدث من هزيمة الروم، وبما سيحدث من انتصارهم لاحقًا على الفرس.
فذهب أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه يذكر ذلك للمشركين يغيضهم به؛ وقد كان المسلمون يفرحون بنصر الروم؛ لأنهم أهل كتاب، بينما كان يفرح المشركون بنصر الفرس؛ لأنهم وثنيون مثلهم، فقال أبو بكر بيقين: ليظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا، فصاح به أبي بن خلف الجمحي: كذبت قال الصديق ﵁: أنت أكذب يا عدو الله! قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فقامروه على أربع قلائص إلى سبع سنين، يعني: أربع من الإبل إلى سبع سنين، وطبعًا لم يكن القمار حرامًا لما فعل ذلك الصديق ﵁ وأرضاه، فمضت السبع ولم يكن شيء، يعني: أن الروم ما انتصرت على الفرس، ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين، فذكر ذلك للن
1 / 18