Al-Ma'na Fi Sifat Allah Ta'ala Ma'lum Wal Kayf Majhul
المعنى في صفات الله تعالى معلوم والكيف مجهول
জনগুলি
١ - قول الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي (المتوفى: ١٣٦):
في الإبانة لابن بطة (٣/ ١٦٤) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٣٩٨) عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق".
وقال أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٣/ ٥٢٧): "سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؟ فقال: الاستواء معقول، والكيف مجهول، والإيمان به - قال ابن الجراح- واجب، والله ﷿ لا يحد".
وفي الاستذكار للحافظ ابن عبد البر (٢/ ٥٢٨): "وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قول الله ﷿ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؟ قال: استواؤه حق معلوم، وكيفيته مجهولة".
1 / 1
٢ - قول الإمام حماد بن أبي حنيفة (المتوفى: ١٧٦):
في عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص: ٢٣٤ - ٢٣٥) أنّ محمد بن الحسن الشيباني قال: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله ﷿: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيفية مجيئه. فقلت لهم: إنا لم نكلّفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلّفكم أن تؤمنوا بمجيئه".
1 / 2
٣ - قول الإمام مالك بن أنس (المتوفى: ١٧٩):
في الأسماء والصفات للبيهقي (٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦) عن يحيى بن يحيى التميمي قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فكيف استوى؟ قال: فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا. فأمر به أن يخرج".
وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٣٩٨) عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته، وعلاه الرحضاء -يعني: العرق- قال: وأطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه، قال: فسرّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالا. وأمر به فأُخرج".
وفي التمهيد للحافظ ابن عبد البر (٧/ ١٣٨) أن عبدالله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله ﷿ في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان. قال: وقيل لمالك ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ فقال مالك ﵀: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء".
وفي العقيدة النظامية لإمام الحرمين الجويني (ص:٣٤): "وما استحسن من كلام إمام دار الهجرة
﵁ وهو مالك بن أنس أنه سئل عن قوله ﵎: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة".
وفي ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض (٢/ ٣٩) "قال سفيان بن عيينة: سأل رجل مالكًا، فقال ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى يا أبا عبد الله؟ فسكت مالك مليًا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكًا وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينتظرون ما يأمر به، ثم سري عنه، فقال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالًا أخرجوه عني" (^١).
وفي عارضة الأحوذي لأبي بكر ابن العربي (٣/ ١٦٦): "وذهب مالك ﵀ أن كل حديث منها-أي أحاديث الصفات - معلوم المعنى، ولذلك قال للذي سأله: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة".
_________
(^١) قال الحافظ ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: ٣٩٠): "ولما سئل مالك وسفيان بن عيينة وقبلهما ربيعة بن عبد الرحمن عن الاستواء فقالوا: الاستواء معلوم، تلقى ذلك عنهم جميع أئمة الإسلام، ولم يقل أحد منهم إنه يحتاج إلى صرفه عن حقيقته إلى مجازه، ولا أنه مجمل له مع العرش خمسة عشر معنى، وقد حرّف بعضُهم كلامَ هؤلاء الأئمة على عادته فقال: معناه الاستواء معلوم لله، فنسبوا السائل إلى أنه كان يشك هل يعلمُ اللهُ استواءَ نفسه أو لا يعلمه، ولما رأى بعضهم فساد هذا التأويل قال: إنما أراد به أن ورود لفظه في القرآن معلوم، فنسبوا السائل والمجيب إلى الغفلة، فكأن السائل لم يكن يعلم أن هذا اللفظ في القرآن، وقد قال: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ فلم يقل: هل هذا اللفظ في القرآن أو لا؟ ونسبوا المجيب إلى أنه أجابه بما يعلمه الصبيان في المكاتب ولا يجهله أحد، ولا هو مما يحتاج إلى السؤال عنه ولا استشكله السائل، ولا خطر بقلب المجيب أنه يسأل عنه".
1 / 3
٤ - قول الحافظ حماد بن زيد بن درهم (المتوفى: ١٧٩):
في الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ٢٠٣ - ٢٠٤) أن بشر بن السري سأل حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء «ينزل الله ﷿ إلى السماء الدنيا» قال: حق كل ذلك كيف شاء الله".
1 / 4
٥ - قول عبد الله بن المبارك (المتوفى: ١٨١):
في عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص: ١٩٦) أنّ عبد الله بن المبارك سئل عن نزول ليلة النصف من شعبان؟ فقال: عبد الله يا ضعيف ليلة النصف، ينزل في كل ليلة. فقال الرجل: يا أبا عبد الله كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف يشاء".
1 / 5
٦ - قول الإمام الفضيل بن عياض (المتوفى: ١٨٧):
روى أبو بكر الأثرم عن الفضيل بن عياض أنه قال: "ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو؛ لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ، فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ • اللَّهُ الصَّمَدُ • لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ • وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه.
وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع. فليس لنا أن نتوهَّم كيف وكيف. فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه. فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء" (^١).
_________
(^١) الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ٢٠٥)، الفتوى الحموية الكبرى (ص: ٣٧٥ - ٣٧٦).
1 / 6
٧ - قول الإمام وكيع بن الجراح بن مليح (المتوفى: ١٩٧):
أخرج الدارقطني في الصفات (ص: ٧١) عن أحمد الدورقي أنه قال: سمعت وكيعا، يقول: «نسلِّم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف هذا، ولم جاء هذا".
1 / 7
٨ - قول الحافظ يزيد بن هارون (المتوفى: ٢٠٦):
قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد (ص: ٣٦): "وحذَّر يزيد بن هارون عن الجهمية وقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي" (^١).
_________
(^١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: ١٣٤): "والذي تقرر في قلوب العامة هو ما فطر الله تعالى عليه الخليقة من توجهها إلى ربها تعالى عند النوازل والشدائد والدعاء والرغبات إليه تعالى نحو العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة من غير موقف وقفهم عليه، ولكن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وما من مولود إلا وهو يولد على هذه الفطرة حتى يجهمه وينقله إلى التعطيل من يقيّض له".
وقال الحافظ الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: ١٥٧ - ١٥٨): "والعامة مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء، هذا الذي وقر في فطرهم السليمة وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوّهوا به ولما أهملوه، ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصا أو قياسا للشاهد على الغائب وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمن نطق بذلك زُجر وعُلّم، وما أظن أن أحدا من العامة يقر في نفسه ذلك. والله أعلم".
1 / 8
٩ - قول الحافظ بشر بن عمر الزهراني (المتوفى: ٢٠٧):
قال بشر بن عمر كما في اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٣٩٧): " سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ قال: على العرش استوى: ارتفع"
1 / 9
١٠ - قول الإمام أبي عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: ٢٠٩):
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (١/ ٢٧٣): " ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه، ويقال: استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت".
وقال أيضًا (٢/ ١٥): " ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى﴾ أي علا، يقال: استويت فوق الدابة وعلى البعير وعلى الجبل وفوق البيت، أي علوت عليه وفوقه".
1 / 10
١١ - قول الإمام عبد الله بن مسلمة القعنبي (المتوفى: ٢٢١):
قال الحافظ الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: ١٦٦): "قال بنان بن أحمد كنا عند القعنبي ﵀ فسمع رجلا من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استوى. فقال القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي".
1 / 11
١٢ - قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام (المتوفى: ٢٢٤):
قال أبو عبيد في غريب الحديث (٢/ ٧ - ٩): "في حديث النبي ﵇ حين سأله أبو رزين العقيلي: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض فقال: «كان في عماء تحته هواء وفوقه هواء».
قوله: في عماء، في كلام العرب السحاب الأبيض ... وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، ولا ندري كيف كان ذلك العماء وما مبلغه. والله أعلم".
وقال الدارقطني في كتابه الصفات (ص: ٦٨ - ٦٩): "حدَّثنا محمد بن مخلد، ثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام، وذكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي وموضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك ﷿ قدمه فيها فتقول: قط قط، وأشباه هذه الأحاديث فقال: "هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم على بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسَّر هذا ولا سمعنا أحدًا يفسِّره" (^١).
_________
(^١) قول أبي عبيد هذا يبين أن التفسير المنفي في كلام بعض السلف هو التكييف، ولذلك قال: "ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسَّر هذا ولا سمعنا أحدًا يفسِّره".
أما المعنى الذي دل عليه الخطاب فقد كان يُثبته ولا ينفيه، وقد تقدم أنه فسّر حديث أبي رزين أن الله ﵎ كان قبل خلق السموات والأرض في عماء تحته هواء وفوقه هواء. وفسّر الحنان بالرحمة كما في غريب الحديث (٤/ ٤٠٠).
قال الحافظ الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: ١٧٣) بعد ذكره لكلام أبي عبيد هذا: "وقد ألّف كتاب غريب الحديث، وما تعرّض لأخبار الصفات بتفسير، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب العربي".
ومما يؤكد أنّ المراد بنفي التفسير هو نفي التكييف أنّ نفي التفسير جاء في بعض عبارات السلف -كما في قول أبي عبيد المتقدم- أثناء الكلام على رؤية الله تعالى، مع كون معنى الرؤية واضحا، وأن المؤمنين يرون ربهم عيانا.
ومما يؤيد ما قلناه أيضًا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك قول الوليد بن مسلم كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٥٨٢) والشريعة للآجري (٣/ ١١٤٦) والإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ٢٤٢) والعلو للعلي الغفار (ص: ١٣٩ - ١٤٠): سألتُ الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا: "أمرّوها كما جاءت بلا تفسير" وفي رواية: "بلا كيف".
ويرِدُ في كلام السلف أيضًا نفيُ التفسير ومرادهم نفي التفسير المذموم الصارف للنص عن ظاهره، وهذا كثير في عباراتهم، ومن ذلك قول محمد بن الحسن كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٤٨٠): "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله ﷺ في صفة الرب ﷿ من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسّر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي ﷺ وفارق الجماعة؛ فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء".
فقوله: "فمن فسَّر اليوم شيئًا" المراد به التأويل المخالف للظاهر، بدليل قوله بعد ذلك: "فمن قال بقول جهم"، وجهم مذهبه تأويل آيات وأحاديث صفات الله بما يخالف ظاهرها، كتأويل الاستواء بالاستيلاء.
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٤٠٧) قول محمد بن الحسن هذا بلفظ: " ... غير تشبيه ولا تفسير، فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه وفارق الجماعة، لأنه وصف الرب بصفة لا شيء".
ومما ورد نفي التفسير والمراد به نفي التأويل المخالف للظاهر قول الترمذي في سننه (٣/ ٤٢): "وقد ذكر الله ﷿ في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسَّروها على غير ما فسَّر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد هاهنا القوة".
ومن ذلك أيضًا قول أبي الحسن البربهاري في شرح السنة (ص: ٣١ - ٣٢): "وكل ما سمعت من الآثار شيئا مما لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ﷿»، وقوله: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا»، ... وأشباه هذه الأحاديث فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا، ولا تفسِّر شيئا من هذه بهواك؛ فإنّ الإيمان بهذا واجب، فمن فسّر شيئا من هذا بهواه وردّه فهو جهمي".
ومما يؤكد استعمال السلف لنفي التفسير ومرادهم نفي التفسير المخالف للظاهر أنه قد جاء عن بعض السلف نفي التفسير في غير باب الصفات، وذلك كبعض أحايث الوعيد، مع كونها معلومة المعنى بالاتفاق، ومن ذلك قول علي بن المديني كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (١/ ١٩٠): "وهذه الأحاديث التي جاءت: «ثلاث من كن فيه فهو منافق» جاءت على التغليظ، نرويها كما جاءت ولا نفسِّرها، مثل: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ومثل: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، ومثل: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ".
وكقول الإمام أحمد كما في أصول السنة (ص: ٥٦ - ٥٨): " «ثلاث من كن فيه فهو منافق» على التغليظ، نرويها كما جاءت ولا نقيسها، وقوله: «لا ترجعوا بعدي كفارا ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ... ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلِّم له وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها ولا نجادل فيها ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت لا نردها إلا بأحق منها".
1 / 12
١٣ - قول الإمام محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (المتوفى: ٢٣١):
أخرج اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٣/ ٤٤٢) عن داود بن علي قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله ﷿: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؟ فقال: هو على عرشه كما أخبر ﷿، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا؟ لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل استولى".
1 / 13
١٤ - قول الإمام يحيى بن معين (المتوفى: ٢٣٣):
روى اللالكائي في اعتقاد أهل السنة والجماعة (٣/ ٤٥٣) أن يحيى بن معين قال: "إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يريد".
وساق الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (٧/ ١٥١) بسنده إلى ابن وضاح أنه قال: سألتُ يحيى بن معين عن التنزل؟ فقال: أقرّ به ولا تحد فيه بقول، كل من لقيت من أهل السنة يصدق بحديث التنزل.
قال: وقال: لي ابن معين صدق به ولا تصفه".
1 / 14
١٥ - قول الإمام إسحاق بن راهويه (المتوفى: ٢٣٨):
قال أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة كما في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٤٢٠): "قال إسحاق بن راهويه: إنّ الله ﵎ وصف نفسه من كتابه بصفات استغنى الخلق كلهم عن أن يصفوه بغير ما وصف به نفسه وأجله في كتابه، فإنما فسر النبي ﷺ معنى إرادة الله ﵎، ... وكل ما وصف الله به نفسه من الصفات التي ذكرناها مما هي موجودة في القرآن، وما لم نذكر فهو كما ذُكر. وإنما يلزم العباد الاستسلام لذلك والتعبد، لا نُزيل صفة مما وصف الله بها نفسه أو وصف الرسول عن جهتها لا بكلام ولا بإرادة، إنما يلزم المسلم الأداء ويوقن بقلبه أن ما وصف الله به نفسه في القرآن إنما هي صفاته، ولا يعقل نبي مرسل ولا ملك مقرب تلك الصفات إلا بالأسماء التي عرفهم الرب ﵎، فأما أن يدرك أحد من بني آدم معنى (^١)
تلك الصفات فلا يدركه أحد، وذلك أن الله تعالى إنما وصف من صفاته قدر ما تحتمله عقول ذوي الألباب ليكون إيمانهم بذلك ومعرفتهم بأنه الموصوف بما وصف به نفسه، ولا يعقل أحد منتهاه ولا منتهى صفاته، وإنما يلزم المسلم أن يثبت معرفة صفات الله بالإتباع والاستسلام كما جاء، فمن جهل معرفة ذلك حتى يقول إنما أصف ما قال الله ولا أدري ما معاني ذلك حتى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية يد نعمة ويحتج بقوله: ﴿أيدينا أنعاما﴾ ونحو ذلك فقد ضل عن سواء السبيل.
هذا محض كلام الجهمية حيث يؤمنون بجميع ما وصفنا من صفات الله، ثم يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه، حتى يقولوا: معنى السميع هو البصير، ومعنى البصير هو السميع، ويجعلون اليد يد نعمة وأشباه ذلك يحرفونها عن جهتها لأنهم هم المعطلة".
وفي عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص: ١٩٧ - ١٩٨) أنّ إسحاق بن راهويه سئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله [أي: ابن طاهر]: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أَثْبِته فوق حتى أصف لك النزول. فقال الرجل: أَثْبَتّه فوق. فقال إسحاق: قال الله ﷿: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم".
وفي العلو للعلي الغفار (ص: ١٧٧) أن إسحاق بن راهويه قال: دخلت على ابن طاهر فقال: ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم رواها الثقات الذين يروون الأحكام.
فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا".
_________
(^١) ليس المراد أصل معنى الصفة، وإنما المراد تمام معاني تلك الصفات، ويدل على ذلك عدة أمور:
الأول: قول إسحاق بعد ذلك: "ولا يعقل أحدٌ منتهاه ولا منتهى صفاته"، ومنتهى الصفة أي: كُنه الصفة وحقيقتها.
الثاني: قوله: "لا نُزيل صفة مما وصف الله بها نفسه أو وصف الرسول عن جهتها"، فهو واضح في أنّ معاني الصفات لها جهة ثابتة، وهي ما دلّ عليه اللفظ. ويؤيد ذلك قوله عن الجهمية أنهم: "يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه".
الثالث: أنّ كلام إسحاق عام في جميع صفات الله، وقد ذكر صفتي السمع والبصر وهما من الصفات المعلومة المعنى.
أما تفويض المعنى بالكلية كما هو مذهب أهل التفويض فقد ذكر إسحاق أنه يُفضي إلى القول بقول الجهمية، حيث قال: "فمن جهل معرفة ذلك حتى يقول إنما أصف ما قال الله ولا أدري ما معاني ذلك حتى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية يد نعمة ... ".
1 / 15
١٦ - قول الإمام قتيبة بن سعيد (المتوفى: ٢٤٠):
قال قتيبة بن سعيد كما في العلو للعلي الغفار (ص: ١٧٤): "هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال ﷻ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ " (^١).
_________
(^١) قال الحافظ الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص: ١٧٤): "فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة، وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد والكبار، وعمّر دهرا، وازدحم الحفاظ على بابه".
1 / 16
١٧ - قول الإمام أحمد بن حنبل (المتوفى: ٢٤١):
قال الإمام أحمد كما في الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ١١١)، والحجة في بيان المحجة للأصبهاني (١/ ٤٧٣): "يضحك الله تعالى ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول، وتثبيت القرآن. وقد نص أحمد على القول بظاهر الأخبار من غير تشبيه ولا تأويل".
وقال أيضًا في رواية حنبل كما في الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ٣٢٦): "ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نُزيل عنه - تعالى ذكره - صفةً من صفاته لشناعة شنعت، ولا نزيل ما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة، ووضع كنفه عليه، ... وقال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة. و﴿ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير.
قلتُ لأبي عبد الله: والمشبّهة ما يقولون؟ قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، فقد شبه الله بخلقه وهذا كلام سوء".
1 / 17
١٨ - قول الإمام الحارث بن أسد المحاسبي (المتوفى: ٢٤٣):
قال الحارث المحاسبي في كتابه فهم القرآن (ص: ٣٤٩ - ٣٥٢): "وأما قوله: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ و﴿أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ﴾ فهذا مقطع يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: ﴿أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ يعني: فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء ...
ثم استأنف التخويف بالخسف إلا أنه على العرش فوق السماء وقال ﴿﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَومٍ﴾ الآية، وقال: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ فبين عروج الأمر وعروج الملائكة ثم وصف صعودها بالارتفاع صاعدة إليه فقال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطِّيبُ﴾، وقال: ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ ثم قال ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ مقدار صعودها، وفصله من قوله: ﴿إليه﴾ كقول القائل: صعدت إلى فلان في يوم أو في ليلة، وإن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله جل وعز وإن كانوا لم يروه ولم يساووه في الارتفاع في علوه، فإنهم قد صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو الذي الله ﷿ فوقه ... وقال عن فرعون ﴿لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾، ثم استأنف فقال: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ فيما قال لي إنه في السماء، فطلبه حيث قال له موسى، مع الظن منه بموسى ﵇ أنه كاذب".
1 / 18
١٩ - قول الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى: ٢٥٦):
قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: ٩٨): "ويذكر عن النبي ﷺ أنه كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون رفيع الصوت، وإن الله ﷿ ينادي بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله ﷿ ذكره.
قال أبو عبد الله: وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال ﷿: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَادًا﴾ فليس لصفة الله ند، ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين "
وقال أيضًا في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: ٥٣): "ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء ... ".
1 / 19
٢٠ - قول يحيى بن إبراهيم بن مزين (المتوفى: ٢٥٩):
قال يحيى بن إبرهيم بن مزين كما في التمهيد للحافظ ابن عبد البر (٧/ ١٥١ - ١٥٢): "والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله ﷿، ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام، فقال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ وقال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ وقال: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ وقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف، فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره".
1 / 20