وكانت الحال جارية على السَّداد في أَعقاب تلك القرون، وفيها الأَئمة الأَربعة المشهورون، جرت أَحوالهم في ركاب سلفهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم على الخير والهدى، والبِر والتقوى، والعلم ونشره، والفقه وتبليغه، وتنقيح مسائله؛ ولعنايتهم الفائقة، وظهور فضلهم، احتوشهم الطلاَّب، وكثر حولهم الأصحاب، وتنافسوا في جمع أقوالهم، وتصنيفها، وتأصيلها، والتقعيد لها، حتى بلغ أَثَرُ كل منهم مبلغًا، واتُّخِذ مَذْهَبًَا، وَصَاحِبَهُ إمامًا
وكان الأصحاب في كَل مذهب مقتصرون على ذلك، ثم أخذ هذا يتقوَّى شيئًا، فشيئًا، حتى تمكنت من النفوس عوامل العصبية، والانتصار والحمية، والتنافس في المذهبية، وَمِن هُنَا انعقدت آصرة التعصب المذهبي، وبلغت إلى بلاط الولاة، وقام سوقها في الدروس والِإجازات، وتطوير المذهب بالتخريج إلى إمام الواقعات، والمستجدات، فصار أهل السنة إلى هذه المذاهب الأَربعة المشهورة، درسًا، وتدريسًا، وقراءة، وإقراء، وكتابة، وتأليفًا، وقضاء، وفتيًا، وعلمًا، وعملًا، وصار لها من القبول والانتشار، ما بلغ مبلغ الليل والنهار، وانصرف الناس إِليها كالعنق الواحد، فآلَ جُلّ الخليقة من المسلمين إلى قسمين اثنين:
القسم الأَول: منتسب إلى ذلك الإمام، اتَّخذه مستدلا واقتنى كتب مذهبه، لمعرفة استدلاله، ثم عرضها على الوحيين الشريفين، فما كان مؤيدًا بالدليل، أخذ به، ومَا لاَ فَلاَ، مع الولاء لكل عالم من علماء أهل السنة، والاستفادة من فقههم، وحسن أثرهم، ودَعَا إلى