اللآلي المرجانية في شرح القلائد البرهانية
اللآلي المرجانية في شرح القلائد البرهانية
عند الحنفية، كما ذكره الجرجاني - رحمه الله تعالى - في شرح السراجية عن الصدر الشهيد وقاضي خان من كبار الحنفية وفقهائهم، وبه قال ابن الماجشون مفتي أهل المدينة ورفيق الشافعي، والمروزي من أصحاب الشافعي أيضاً رحم الله الجميع.
قوله: [ثم بدين مرسل] هذا هو الحق الثالث من الحقوق المتعلقة بالتركة: الديون المرسلة في الذمة المتعلقة بكلها لا ببعضها ويأتي هذا الحق في الدرجة الثالثة، وهذه الديون قسمان وهما:
القسم الأول: دين الله تعالى من زكاة وكفارات ونذور وحج الفرض ونحو ذلك.
القسم الثاني: دين الآدميين كالقرض الحسن ومهر الزوجة وأجرة العامل ونحو ذلك، فإذا بقي من تركة الميت ما يفي بقضاء ديونه قضي، أما إذا لم يبق من التركة ما يفي بقضاء ديونه فهل يقدم قضاء دين الله تعالى أم قضاء دين الآدميين في ذلك خلاف بين أهل العلم يمكن إجماله في ثلاثة أقوال وهي:
القول الأول: تقديم دين الله تعالى في القضاء على دين الآدميين ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين قال: قال رسول الله ﷺ (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء - وفي لفظ مسلم فدين الله أحق بالقضاء) متفق عليه، وهو القول الصحيح من أقوال الإمام الشافعي كما ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم، وابن حجر في الفتح وإليه ذهب ابن حزم رحمهم الله تعالى جميعاً.
القول الثاني: تقديم دين الآدميين في القضاء على دين الله تعالى وذلك لأن دين الآدميين مبني على المشاحة ودين الله تعالى مبني على المسامحة لاستغنائه جل وعلا.
وإلى هذا القول ذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة رحمهما الله تعالى غير أن الحنفية لا يرون أداء دين الله تعالى من التركة لأنها عبادة سقطت بموته.
ولأن الركن في العبادات نية المكلف وفعله وقد فات كل من هذين بموته إلا إذا أوصى به الميت وجب تنفيذه من ثلث ماله بعد دين العباد، أما إذا لم يوص لم تجب، وهو أحد قولي الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
القول الثالث: لا يقدم دين على دين سواءً كانت الديون لله تعالى أم للآدميين أم مختلفة بل يرجع فيها إلى المحاصصة؛ وذلك لتساويها في وجوب القضاء كذلك تتساوى في الترتيب، وهذا مذهب الإمام
33