الرجوع أقرب وأولى، فليس هناك وجه للإنكار بناءً على مثل هذه الحجج الواهية، بل لو فرض بأنها موضوعة كما يقول، أليس فيها دلالة على فساد مذهب الاعتزال؟! أو ليس من أصول أهل الاعتزال: تقديم العقل على النقل، والقول بفعل الأصلح، الذي نقضته هذه القصة، بعيدًا عن كونها حقيقة وقعت أو حكاية لُفِقت! فدعوى الوضع قول بلا برهان، ولا يسلم لقائله.
المناظرة الثالثة: وهناك مناظرة أخرى حول هل يسمى الله عاقلًا؟ أدت إلى رجوع الأشعري، وهي: «دخل رجل على الجبائي فقال هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلًا؟ فقال: الجبائي: لا، لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق. قال الشيخ أبو الحسن فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله ﷾ حكيمًا، لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام، وهي الحديدة المانعة للدابة من الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت ﵁ (^١):
(^١) حسان: هو الصحابي الجليل، حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن زيد بن عمر بن مالك الأنصاري الخزرجي. شاعر رسول الله ﷺ، كان الرسول ﷺ ينصب له المنبر في المسجد، وكان يقول له - كما في الصحيحين -: «أجب عني، اللهم أيده بروح القدس»، وكان يقول - كما في الصحيحين أيضًا -: «اُهْجُهمْ وجبريل معك»، أسلم وله من العمر ستون سنة، ومات وله من العمر مائة وعشرون سنة. سنة أربع وخمسين، فيكون عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، وذكر ابن الأثير في أسد الغابة أن أباه ثابت وجده المنذر وأبا جده حرام، عاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة انظر أسد الغابة ٣/ ٧ والإصابة ٢/ ٥٧.