الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية
الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية
প্রকাশক
مكتبة المعارف
প্রকাশনার স্থান
الرياض - المملكة العربية السعودية
জনগুলি
الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
مكتبة المعارف
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا جواب كتاب أرسله أحد الإخوان من سكان الكويت واسمه عبد الله بن إبراهيم العلي، وقد ذكر أقوالًا باطلة وأفعالًا سيئة صدرت من رؤساء جماعة يزعمون أنهم على عقيدة سليمة صحيحة موافقة للكتاب والسنة.
ويطلب الأخ عبد الله الإفادة عن الجماعة المشار إليها هل يقال: إن عقيدتهم على الكتاب والسنة مع ما سيأتي ذكره عنهم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة، أم لا؟ ومن قال: إنهم على عقيدة صحيحة موافقة للكتاب والسنة فهل يكون محسنا أو مسيئا؟ وماذا يقال في الذين انضموا إليهم وهم مع ذلك يخالفونهم في أقوالهم وأفعالهم ولكنهم لا يستطيعون المجاهرة بالإنكار لأقوالهم وأفعالهم خوفا من شق الصف وتفريق الكلمة؟ وماذا يقال في الذي يعتذر عن أقوالهم الباطلة وأفعالهم السيئة ويقول: إنها لا تخالف العقيدة ولا تكون طعنًا فيها وإنما هي مواقف والمواقف لا تدخل في العقيدة؟
1 / 3
وهذا ملخص ما ذكره الأخ عبد الله عنهم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة.
الأول: تجويزهم طلب الاستغفار من النبي ﷺ بعد موته، وزعمهم أن رسول الله ﷺ يستغفر حيا وميتًا لمن جاءه قاصدًا رحابه.
والجواب: أن يقال: أما طلب الاستغفار من النبي ﷺ في حال حياته فهو جائز لقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾؛ ولأن الله تعالى قد أمر رسوله ﷺ أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات فقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
1 / 4
رَحِيمٌ﴾ وقال تعالى مخبرا عن المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾.
وأما طلب الاستغفار من النبي ﷺ بعد موته فهو من المحدثات التي لم تكن في عهد الصحابة والتابعين، وقد قال رسول الله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة ﵂. وفي رواية لأحمد ومسلم والبخاري تعليقا مجزوما به: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» الرد هو المردود، والمعنى فهو باطل غير معتد به، وروى الإمام أحمد أيضا وأهل السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه
1 / 5
والحاكم وابن عبد البر والذهبي. وروى الإمام أحمد أيضا ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» زاد النسائي «وكل ضلالة في النار».
وفي هذه الأحاديث أبلغ رد على من أجاز سؤال الاستغفار من النبي ﷺ بعد موته لأن النبي ﷺ لم يأمر أمته بذلك ولم يكن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين المهديين ولا من عمل غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولو كان جائزا لكان الصحابة أسبق إليه من غيرهم، وقد قال الراجز وأحسن فيما قال:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
ومما يدل على رد هذه المحدثة أيضا ما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس ﵄ قال: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبا بموعظة - فذكر الحديث وفيه: أن رسول الله ﷺ قال: «ألا وإنه سيُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول:
1 / 6
يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ﴾» الحديث، وفي قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وقوله: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ دليل على أن النبي ﷺ إنما كان يعلم بسؤال الذين يسألونه الاستغفار لهم إذ كان حيًا شهيدًا عليهم وأنه لا يدري بما أحدثه الذين يسألونه الاستغفار لهم بعد موته، وما يذكر في هذا الباب من الحكايات عن بعض الجهال الذين يسألون الاستغفار من النبي ﷺ بعد موته فلا عبرة بها، لأنها من المحدثات، والمحدثات كلها مردودة بالأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها، وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في كتاب (التوسل والوسيلة): إن الذين يطلبون الاستغفار من النبي ﷺ بعد موته قد خالفوا إجماع الصحابة والتابعين وسائر المسلمين انتهى.
الثاني من أقوالهم الباطلة: إباحة الاستنجاد بالنبي ﷺ بعد موته وزعمهم أنه ليس بمستنكر من الناحية الشرعية وزعمهم أنه لا داعي للتشدد في الإنكار على من يعتقد كرامة الأولياء واللجوء
1 / 7
إليهم في قبورهم والدعاء فيها عند الشدائد.
والجواب أن يقال: أما اللجوء إلى أهل القبور والاستنجاد بهم ودعاؤهم عند الشدائد فإنه شرك أكبر، وسواء في ذلك الاستنجاد بالنبي ﷺ ودعاؤه واللجوء إلى قبره، والاستنجاد بغيره من الأموات ودعاؤهم واللجوء إلى قبورهم فكله من الشرك الأكبر وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ فسمى دعاءهم إياهم عبادة وأخبر أنهم لا يستجيبون لهم إلى يوم القيامة وأنهم عن دعائهم غافلون وأنهم يكونون لهم أعداء يوم القيامة ويكفرون بعبادتهم إياهم وأخبر في آية أخرى أنهم يتبرءون منهم فأي خير يحصل لمن يدعو غير الله ويلجأ إلى الأموات ويستغيث بهم عند الشدائد، لقد خاب وخسر من فعل ذلك، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ
1 / 8
سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ فسمى دعاءهم إياهم شركا وأخبر أنهم لا يسمعون دعاء الذين يدعونهم وأنهم لو سمعوا ما استجابوا لهم، فأي خير يحصل لمن يدعو غير الله ويستغيث بالأولياء أو من تدَّعى فيهم الولاية ويلجأ إليهم ويستنجد بهم عند الشدائد والملمات ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ
الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ ومن زعم أن الاستنجاد بالنبي ﷺ بعد موته مباح وأنه ليس بمستنكر من الناحية الشرعية فقد أباح الشرك بالله وافترى على الشريعة المحمدية. وفيما ذكرته من الآيات أبلغ رد وتكذيب لزعمه وفريته.
وقد روى الطبراني عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: كان في زمن النبي ﷺ منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله ﷺ من هذا المنافق. فقال رسول الله ﷺ: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» وإذا كان النبي ﷺ قد أنكر الاستغاثة به في حين حياته وأخبر أن الاستغاثة لا تكون إلا بالله فماذا يقال فيمن زعم أن الاستنجاد بالنبي ﷺ بعد موته مباح وأنه ليس بمستنكر من الناحية الشرعية، والجواب أن
1 / 9
يقال لا شك أن هذا عين المحادة لله ولرسوله ﷺ وقد قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾.
الثالث من أقوالهم الباطلة: زعمهم أن قبور الصالحين تنزل عليها رحمة الله وبركاته ونفحاته وأنه لابد للمسلم أن يتعرض ويقترب ويدعو في تلك الأماكن.
والجواب أن يقال: هذا ما زينه الشيطان لكثير من الجهال ليضلهم عن سبيل الله ويوقعهم في الشرك بالله، فإن التبرك بالقبور والدعاء عندها من أعظم الأسباب للإشراك بأصحابها، وقد نهى رسول الله ﷺ عن اتخاذ قبره عيدًا، ونهيه عن ذلك يدل بطريق الأولى على النهي عن اتخاذ قبور الصالحين أعيادًا، والعيد اسم لما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان مأخوذ من المعاودة والاعتياد. ومنه اعتياد المجيء إلى القبور للتبرك بها والدعاء عندها. وقد روى الحافظ الضياء في المختارة عن زين العابدين على بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين
1 / 10
كنتم» قال بعض العلماء: هذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها، لأن ذلك من اتخاذها عيدًا كما فهمه علي بن الحسين من الحديث فنهي ذلك الرجل عن المجيء إلى قبر النبي ﷺ للدعاء عنده، فكيف بقبر غيره، وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية كان الصحابة والتابعون يأتون إلى مسجده ﷺ فيصلون خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ ثم إذا قضوا الصلاة فعدوا أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل.
وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم بل نهاهم عنه بقوله: «لا تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني» فبين أن الصلاة تصل إليه من بعد وكذلك السلام. ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذ كانت عائشة فيها وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر وهم من ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه لا للسلام ولا للصلاة ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم ولا لسؤال عن حديث أو علم ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلامًا فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم وبين لهم الأحاديث أو أنه قد رد ﵈ بصوت يسمع من خارج
1 / 11
كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم في الظاهر وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجًا من القبر ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي ﷺ ليلة المعراج.
والمقصود أن الصحابة ما كانوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر كما كان ابن عمر ﵄ يفعله. قال عبيد الله بن عمر عن نافع كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي ﷺ فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف، قال عبيد الله ما نعلم أحدا من أصحاب النبي ﷺ فعل ذلك إلا ابن عمر. وهذا يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة انتهى.
وإذا كان الوقوف عند قبر النبي ﷺ للدعاء بدعة محضة فكيف بالوقوف للدعاء عند قبور الصالحين أو من يظن صلاحهم فهو أولى باسم البدعة وأولى بالمنع لأنه من أعظم الوسائل إلى الغلو
1 / 12
في القبور والإشراك بأصحابها.
الرابع: زعمهم أن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر النبوي في أيام الحرة، وقولهم من ذا الذي كان يؤذن من داخل قبر رسول الله ﷺ.
والجواب أن يقال: أما ما ذكر عن سعيد بن المسيب أنه كان يسمع الأذان من قبر النبي ﷺ في أيام الحرة فهو غير ثابت عنه، وقد رواه ابن سعد في الطبقات بإسنادين ضعيفين جدًا، أما أحدهما ففيه عبد الحميد بن سليمان الخزاعي قال ابن معين في رواية عنه: ليس بشيء وقال في رواية أخرى: ليس بثقة. وكذا قال أبو داود والنسائي أنه ليس بثقة. وقال النسائي في موضع آخر: إنه ضعيف. وضعفه أيضا ابن المديني وصالح بن محمد والدارقطني والذهبي، وأما الإسناد الثاني ففيه الواقدي وهو متروك، وما كان بهذه المثابة فإنه لا يعتد به وعلى تقدير ثبوته فليس فيه ما يدل على جواز الاستنجاد بالنبي ﷺ ولا على جواز اللجوء إلى قبره والدعاء عنده ولا عند قبور الصالحين لأن الاستنجاد بالنبي ﷺ واللجوء إلى قبره أو إلى قبور الصالحين شرك أكبر. وأما الدعاء عند قبره ﷺ وعند قبور الصالحين فهو من أعظم الوسائل إلى الشرك، والوسائل لها حكم الغايات والمقاصد وما كان كذلك فإنه
1 / 13
لا يجوز فعله.
وأما قولهم: من ذا الذي كان يؤذن من داخل قبر رسول الله ﷺ.
فجوابه أن يقال: إن إسناد الخبر في سماع الأذان من القبر النبوي ضعيف جدًا وقد تقدم بيان ذلك، وما لم يثبت بإسناد صحيح فإنه لا يعتد به، ولم يذكر عن النبي ﷺ أنه أذن في حياته ولا مرة واحدة، فكيف يتوهم أنه كان يؤذن في قبره بعد مماته وانقطاع التكاليف عنه، على تقدير ثبوت ما ذكر عن سعيد بن المسيب فإنه محمول على أن الأذان كان من بعض الملائكة الذين كانوا يحضرون عند القبر الشريف ويبلغون رسول الله ﷺ من أمته السلام فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» رواه الإمام أحمد والنسائي والدرامي بأسانيد صحيحة على شرط مسلم. ورواه أيضا ابن حبان في صحيحه، وبالجملة فليس في سماع الأذان من القبر النبوي ما يتعلق به أهل الغلو في القبور والإشراك بأصحابها.
الخامس قولهم: ما لنا وللحملة على أولياء الله وزوارهم الداعين عند قبورهم ومقاماتهم بعد أن قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن رب العزة: «إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث
1 / 14
الحرب».
والجواب أن يقال: ليس في النهي عن الدعاء عند قبور الصالحين شيء من الحملة عليهم وإنما فيه النهي عن الغلو فيهم وعن اتخاذ قبورهم مساجد وأعيادا يعتاد المجيء إليها للتبرك بها والدعاء عندها لأن ذلك من أعظم أسباب الشرك، وقد نهى رسول الله ﷺ عن اتخاذ قبره عيدًا وعن اتخاذ القبور مساجد ولعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأخبر أنهم من شرار الناس وأنه قد اشتد غضب الله عليهم، وفي هذا أبلغ زجر عن الصلاة عند القبور والدعاء عندها. وعلى هذا فينبغي أن تشدد الحملة على الزوار الذين يأتون إلى قبور الصالحين ومقاماتهم للتبرك بها والدعاء عندهم ويُمنعون من الغلو في الأموات واتخاذ قبورهم مساجد وأعيادًا.
وأما الأثر الذي فيه: «إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب». فليس فيه ما يتعلق به المفتونون بالدعاء عند القبور، وإنما معناه أن الله تعالى ينصر أولياءه المتقين ويأخذ لهم بالثأر ممن يؤذيهم ويظلمهم ويبغي عليهم في حال حياتهم. وربما عجل العقوبة لمن يسبهم ويقع في أعراضهم من بعد موتهم كما وقع ذلك لبعض الذين يسبون الصحابة ويتنقصونهم، فأما تحري الدعاء
1 / 15
عند قبور الصالحين ومقاماتهم فهو من أقرب الوسائل وأعظم الأسباب إلى الإشراك بهم، وقد حذر الله تعالى من الشرك غاية التحذير وأخبر أنه لا يغفر لأهله، وما كان وسيلة إلى الشرك فإنه لا يجوز فعله ويجب الإنكار والتشديد على من يفعله.
السادس قولهم: لقد أثبت القرآن صراحة لا تلميحًا ولا مجازًا أن بقايا الصالحين وآثارهم يمكن التوسل بها في استجلاب الخير ودفع الضر مهما تقادم بها العهد، يقول الله ﵎: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
والجواب أن يقال: إن الشريعة المحمدية الكاملة قد نسخت الشرائع التي كانت قبلها فليس لأحد أن يعمل بشيء يخالفها، وقد نهى رسول الله ﷺ عن الغلو، وأعظم الغلو ما كان وسيلة إلى الشرك بالله تعالى ومنه التبرك ببقايا الصالحين وآثارهم والتوسل بها في استجلاب الخير واستدفاع الضرر، وقد قال رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم من حديث جندب بن
1 / 16
عبد الله البجلي ﵁.
قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: إنما نهى النبي ﷺ عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا خوفًا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية انتهى.
في الصحيحين وغيرهما عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وفي الصحيحين وغيرهما أيضا عن عائشة وابن عباس ﵃ قالا: لما نزل برسول الله ﷺ: طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر مثل ما صنعوا».
وفي هذه الأحاديث دليل على أنه لا يجوز التبرك بآثار الصالحين ولا الدعاء عند قبورهم ومقاماتهم، لأن ذلك وسيلة إلى الغلو فيهم والإشراك بهم، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك هو الحكمة في نهيه ﷺ عن اتخاذ قبره عيدًا وعن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ولعنه الذين اتخذوا قبورهم مساجد. وبالجملة
1 / 17
فليس في الآية من سورة البقرة قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ الآية ما يدل على جواز التوسل ببقايا الصالحين وآثارهم في استجلاب الخير واستدفاع الضرر، ومن زعم أن الآية تدل على جواز التوسل ببقاياهم وآثارهم فقد جمع بين ثلاثة أمور محرمة، أحدها الغلو في الصالحين، والغلو فيهم من أعظم الوسائل إلى الشرك بهم، وقد نهى النبي ﷺ عن الغلو وتقدم ذكر الحديث في ذلك.
الثاني القول في القرآن بمجرد الرأي: وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي من حديث ابن عباس ﵄ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي رواية له: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» قال الترمذي: هذا حديث حسن.
قال: وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم انتهى.
الثالث: اتباع ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وتضليل
1 / 18
الجهال الذين لا يعرفون الفرق بين الحق والباطل، وقد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾.
ومن الأدلة على المنع من تتبع آثار الأنبياء والصالحين ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر ﵄ قال: بلغ عمر بن الخطاب ﵁ أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها قال: فأمر بها فقطعت، وروى ابن أبي شيبة أيضا بإسناد صحيح عن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر ﵁ في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ و﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ فلما قضي حجة ورجع والناس يبتدرون فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله ﷺ فقال: «هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل» فهذا فعل الخليفة الراشد في الإنكار على الذين يعظمون الشجرة التي بويع تحتها رسول الله ﷺ. وهذا قوله في الإنكار على الذين يعظمون المكان الذي قد صلى فيه رسول الله ﷺ، ولو كان تعظيم آثار الأنبياء والصالحين جائزا لما قطع عمر ﵁
1 / 19
الشجرة التي بويع النبي ﷺ تحتها، ولما نهي الناس عن تحري الصلاة في المسجد الذي قد صلى فيه رسول الله ﷺ، وفي فعل عمر ﵁ وقوله أبلغ رد على من زعم أن بقايا الصالحين وآثارهم يمكن التوسل بها في استجلاب الخير واستدفاع الضرر. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر ﵄ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، قال وفي الباب عن الفضل بن العباس وأبي ذر وأبي هريرة انتهى.
ولفظه عند ابن حبان: «إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به» وروى الإمام أحمد أيضا وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» وروى الإمام أحمد أيضا وأبو داود وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن أبي ذر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وقال الذهبي في تلخيصه على شرط مسلم، وروى الإمام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه والبخاري في التاريخ والحاكم في مستدركه عن حذيفة بن اليمان ﵄
1 / 20
عن النبي ﷺ أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» قال الترمذي هذا حديث حسن وصححه الحاكم والذهبي، وروى الإمام أحمد أيضا وأهل السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضا الحاكم وابن عبد البر والذهبي.
وفي هذه الأحاديث أبلغ رد على الذين يتتبعون آثار الصالحين ويخالفون فعل عمر ﵁ في قطع الشجرة التي بويع النبي ﷺ تحتها ويخالفون أيضا نهيه عن اتخاذ آثار الأنبياء بيعًا، وقد قال ابن وضاح في كتاب (البدع والنهي عنها): كان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي ﷺ ما عدا قباء وأحدًا. قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها. وكذلك فعل غيره أيضا ممن يقتدى به، وقدم وكيع أيضا مسجد بيت المقدس فلم يعدُ فعل
1 / 21