الفوائد الحديثية - ضمن «آثار المعلمي»
الفوائد الحديثية - ضمن «آثار المعلمي»
তদারক
علي بن محمد العمران - نبيل بن نصار السندي
প্রকাশক
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٤ هـ
জনগুলি
الفوائد الحديثية
24 / 101
[تعليق على أحاديث من صحيح البخاري (^١)]
* (١ ص ٧٤) (^٢): إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي ﵌: «إنما بقاؤكم فيما سَلَفَ قبلَكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهلُ التوراة التوراةَ فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأُعطُوا قيراطًا قيراطًا. ثم أوتي أهلُ الإنجيل الإنجيلَ فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطًا قيراطًا. ثم أُوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأُعطِينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أَيْ ربَّنا أعطيتَ هؤلاء قيراطين قيراطين ...».
* ونحوه (ج ٤ ص ٢٠٣) (^٣).
* (ج ٢ ص ٢٣) (^٤): أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﵌ قال: «مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أُجَرَاء فقال: من يعمل لي من غُدوةٍ إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطَين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثرُ عملًا وأقلُّ عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من
_________
(^١) كثيرًا ما يكتب الشيخ في مسوداته «بخاري» و«سندي» و«فتح» ونحوها طلبًا للاختصار، وقد عدلنا ما أثبتناه منها.
(^٢) برقم (٥٥٧).
(^٣) برقم (٧٥٣٣) من طريق يونس عن ابن شهاب به.
(^٤) برقم (٢٢٦٨).
24 / 103
حقِّكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء».
* مالك (^١) عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ﵌ نحوه ...
* أبو موسى (^٢) عن النبي ﵌: «مَثَلُ المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجلٍ استأجر قومًا يعملون له عملًا يومًا إلى الليل على أجرٍ معلوم، فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجركَ الذي شرطت لنا وما عَمِلْنا باطل! فقال لهم: لا تفعلوا، أكمِلُوا بقيةَ عملِكم وخذوا أجركم كاملًا، فأَبَوا وتركوا. واستأجر أَجِيرين بعدهم فقال لهما: أكمِلا بقيةَ يومِكما هذا، ولكما الذي شرطتُ لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حينُ صلاة العصر قالا: لك ما عملنا باطلٌ، ولك الأجر الذي جعلتَ لنا فيه، فقال لهما: أكملا بقية عملكما، ما بقي من النهار شيء يسير، فأبيا. واستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما. فذلك مَثَلهم ومَثَلُ ما قَبِلوا من هذا النور».
* (ص ١٧١) (^٣): ليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﵌: «إنَّما أجلكم في أجل من خلا [من الأمم] (^٤) ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مَثَلُكم ... (نحو رواية أيوب)».
_________
(^١) رقم (٢٢٦٩).
(^٢) رقم (٢٢٧١)، وهو برقم (٥٥٨) مختصرًا.
(^٣) رقم (٣٤٥٩).
(^٤) في الأصل: «قبلكم»، والمثبت من صحيح البخاري.
24 / 104
* (ج ٤ ص ١٩٣) (^١): شعيب عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي ﵌ نحو رواية إبراهيم (الأولى).
فالظاهر ــ والله أعلم ــ أنهما مثلان، كل منهما مستقل كما بيّنه نافع في رواية الليث. وكذلك أَفرد الثاني في رواية أيوب، وكذا أفرده عبد الله بن دينار (^٢) عن ابن عمر، وكذا أفرده أبو موسى عن النبي ﵌.
فحاصل المثل الأول أن نسبة بقاء هذه الأمة إلى عمر الدنيا نسبةُ المدّة التي بين صلاة العصر والغروب إلى جميع النهار.
وأما المثل الثاني فله مقصدان:
أحدهما: أن أجورَ هذه الأمة مضاعفةٌ بالنسبة إلى أجور اليهود والنصارى.
والآخر: أن من أدركته بعثة عيسى من اليهود ولم يؤمن به فقد بطل عمله الأول، ومن وُلد بعد ذلك ولم يتبع عيسى ﵇ فلم يعمل شيئًا. ومن أدركته بعثة محمد ﵌ من النصارى ولم يتّبعه فقد بطل عمله الأول، ومن ولد بعد ذلك ولم يتّبع محمدًا ﵌ فلم يعمل شيئًا.
ولم يُرد ــ والله أعلم ــ بنصف النهار والعصر والمغرب تحديد المدة،
_________
(^١) رقم (٧٤٦٧).
(^٢) وذلك في رواية مالك عنه التي ذكرها الشيخ، وأما في رواية سفيان بن عيينة عنه برقم (٥٠٢١) ــ ولم يذكرها الشيخ ــ، فقد ذكر المَثَلين على التفصيل بنحو رواية الليث عن نافع.
24 / 105
وإنما أراد أن اليهود عملوا بعضَ النهار، والنصارى بعضَه، وعملنا باقيه. فذَكَر نصف النهار والعصر تمثيلًا لذلك البعض، لا تحديدًا. والله أعلم (^١).
* * * *
حديث «الصحيحين» (^٢): «أسرعُكنَّ لحوقًا بي أطولُكُنَّ يدًا»
قال الحافظ في «الفتح» (^٣): «وفيه جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة ــ وهو لفظ «أطولكنّ» ــ إذا لم يكن محذور.
قال الزين بن المنيِّر: لمّا كان السؤال عن آجالٍ مقدّرة لا تُعْلَم إلا بالوحي، أجابهنّ بلفظ غير صريح، وأحالهنّ على ما لا يتبين إلا بأَخرة، وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام التكليفية.
وفيه أن من حَمَل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يُلَم، وإن كان مراد المتكلم مجازه؛ لأنّ نسوة النبي ﵌ حملن «أطولكن يدًا» على الحقيقة فلم ينكر عليهن». (ج ٣ /ص ١٨٥).
أقول: يظهر لي أنّ «أطولكنّ يدًا» حقيقة عرفية في كثرة الصدقة.
وههنا قرينتان تدلَّان على إرادة كثرة الصدقة:
الأولى: تخصيصه اليد، ولو أراد الطول الحسّي لكان الظاهر أن يقول: «أطولكن»؛ إذ قد عُلم أن طول اليد لا يكون إلا مع طول القامة.
_________
(^١) مجموع [٤٧١١].
(^٢) البخاري (١٤٢٠) ومسلم (٢٤٥٢) من حديث عائشة ﵂.
(^٣) (٣/ ٢٨٨) ط. السلفية.
24 / 106
الثانية: أنّ سرعة اللحوق به فضيلة. وتعريف النبي ﵌ للفضيلة الجزائية الغالب أن يكون بفضيلة عملية. والطول الحسّي ليس بفضيلة عملية، وإنّما الفضيلة العملية كثرة الصدقة. والله أعلم (^١).
* * * *
في «الجهاد»، في «من لم يخمس الأسلاب» (^٢)
عن عبد الرحمن بن عوف: «... ثم انصرفا إلى رسول الله ﵌ فأخبراه فقال: «أيكما قتله؟» قال كل واحد منهما: أنا قتلتُه! فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، سَلَبُه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح». اهـ.
وهذه الرواية أبعد عن الخطأ لتعيين الذي أُعطي له السَّلَب، وحكايةِ لفظ النبي ﵌ بقوله: «سَلَبُه لمعاذ بن عمرو بن الجموح». والله أعلم.
نعم، سيأتي في ذكر أهل بدر عن أنس، وفيه: «ابنا عفراء» (^٣). وقد جاء في ترجمة الرُّبَيِّع بنت معوِّذ ابن عَفْراء (^٤) أنها من المبايعات تحت الشجرة. وهذا قد يدل أنها ولدت قبل الهجرة بمدَّة فيما يظهر. والغالب أن أباها يكون يوم بدرٍ رجلًا، فكيف يستصغره عبد الرحمن بن عوف؟
_________
(^١) وانظر كلام الشيخ على هذا الحديث في «إرشاد العامه» ضمن مجموع رسائل أصول الفقه (ص ٢٣٥ وما بعدها).
(^٢) رقم (٣١٤١).
(^٣) رقم (٣٩٦٢، ٣٩٦٣، ٤٠٢٠).
(^٤) علّق عليه الشيخ بقوله: «كذا في «التهذيب» أنها بنت معوذ بن عفراء، ولكن في «الإصابة» خلاف ذلك». وسيأتي تحقيق الشيخ في نسبها (ص ٢٣٤).
24 / 107
وأيضًا ففي حديث عبد الرحمن بن عوف أن كلًّا من الغلامين سأله سرًّا عن الآخر، والغالب أنهما لو كانا أخوين لما أسرَّ أحدهما عن أخيه.
* * * *
«باب تزويج النبي ﵌ خديجة» (^١)
عن عائشة ﵂ قالت: «استأذنَتْ هالة بنت خُوَيلد ــ أخت خديجة ــ على رسول الله ﵌، فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك فقال: اللهم هالة!».
قوله: «ارتاع»، أقول: كأنّه ﵌ لمّا فجئه استئذانٌ كاستئذان خديجة ارتاع بادئ بدءٍ لعِلْمه بأنّ خديجة ﵍ قد ماتت، فهل أحياها الله تعالى؟! ولكنّه لم يلبث أن عرف الحقيقة. والله أعلم.
* * * *
مِن أحاديث رفع اليدين في الدعاء حديث البخاري في غزوة أوطاس (^٢) عن أبي موسى وفيه: «... فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعُبَيد أبي عامر».
* * * *
مما يصلح في باب الانتحار: حديث البخاري في المغازي (^٣) في سرية
_________
(^١) رقم (٣٨٢١) من حديث عائشة ﵂.
(^٢) رقم (٤٣٢٣)
(^٣) (٤٣٤٠) من حديث علي ﵁.
24 / 108
عبد الله بن حذافة. وفيه: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة»
* * * *
حديث البخاري (تفسير الأحزاب) (^١) وغيره عن عائشة، قالت: «كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ﵌، وأقول: هل تهب المرأةُ نفسَها» إلخ.
في «حاشية السندي» (^٢): «قال الطِّيبي: أي أعيبُ عليهن؛ لأنّ من غار عاب. ويدلّ عليه (^٣) قولُها: أتهب المرأة ... إلخ. وهو هاهنا تقبيح وتنفير، لئلا تهب النساء أنفسهن له ﵌، فتكثر النساء عنده. قال القرطبي: وسبب ذلك القول الغَيرة، وإلا فقد علمتْ ... إلخ».
أقول: إنّ نصّ الحديث أنها كانت تغار عليهنّ، لا منهنّ. وغَيرة المرأة على المرأة هي: أن تراها واقعة في شيء ينافي العفَّةَ أو ينافي الحياء، فتكره لها ذلك.
وغيرتها منها هي: أن تكره مشاركتها لها في زوجها (^٤).
ولا شك أن فعل الواهبات أنفسهن لا يخلو من منافاة لكمال الحياء الطبعي ــ لا الديني ــ، فما المانع من أن عائشة ﵂ كانت تغار
_________
(^١) رقم (٤٧٨٨). وأخرجه مسلم (١٤٦٤) وغيره.
(^٢) (٣/ ١٧٥) ط. الحلبي.
(^٣) الأصل: «عليها» والتصحيح من المصدر.
(^٤) لكن يقدح في هذا التفريق حديث عائشة في البخاري (٣٨١٦)، ومسلم (٢٤٣٥): «ما غِرْت على امرأةٍ للنبي ﷺ ما غِرْت على خديجة ...».
24 / 109
عليهنّ حقيقةً، أي تكره لهن ذلك؟ ويحملها على تلك الكراهية كمال حيائها الطبعي، ولاسيما وهي يومئذ جارية صغيرة السنّ في عنفوان الحياء الطبعي.
وقد حمل الحياء الطبعي أم سلمة ــ وهي يومئذ امرأة كبيرة ــ أن استحيت من سؤال المرأة للنبي ﵌ هل تحتلم المرأة؟ حتى غطَّت وجهها وقالت ما قالت (^١).
في «البخاري» (^٢) باب عرض المرأة نفسها: عن ثابت قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله ﵌ تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلَّ حياءَها! واسوءتاه! واسوءتاه! قال: هي خير منك، رغبتْ في النبي ﵌ فعرضت عليه نفسها.
ثم قول عائشة في الحديث: «وأقول: هل تهب المرأة» الخ، يحتمل احتمالًا قويًّا أنها إنما كانت تقوله في نفسها، وإنما ذكرتْه هنا إيضاحًا لسبب غيرتها عليهن.
وعلى هذا، فلا وجه لما قاله الطِّيبي، لما فيه من الخروج عن الظاهر، ونِسْبة أم المؤمنين أنها كانت تعيب ذلك الفعل، مع اعتقادها طبعًا وديانة أنه غير معيب.
أمّا ما قاله القرطبي، فإن أراد بقوله: «وسبب ذلك القول الغَيرة» إلخ،
_________
(^١) أخرجه البخاري (١٣٠). وفيه أنها إنما استحيت من سؤال المراة: «هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟» فغطَّت وجهها وسألت هي: «أو تحتلم المرأة؟».
(^٢) رقم (٥١٢٠).
24 / 110
الغيرةَ عليهن، كما هو صريح الحديث= فصحيح، وإلا ففيه ما تقدم.
نعم، لا يُنكر أن عائشة ﵂ كانت تغار على النبي ﵌ من الواهبات، بل ومن المنكوحات، بل ومن خديجة ﵂ وقد ماتت قبلها. ولكن لا مانع من جمعها بين الغَيرتين: الغيرة على الواهبات، والغيرة منهن. وعليه، فلا مقتضي لإخراج الحديث عن ظاهره. والله أعلم.
* * * *
تفسير سورة الجمعة (^١)
* سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة ﵁ قال: كنّا جلوسًا عند النبي ﵌، فأنزلت عليه سورة الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾، قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثًا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله ﵌ يده على سلمان، ثم قال: «لو كان الإيمان عند الثُّريَّا لنالَه رجال ــ أو رجل ــ من هؤلاء»
* ... عبد العزيز، أخبرني ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة عن النبي ﵌: «لنالَه رجال من هؤلاء».
كأنّه ﵌ استغنى بما هو ظاهر من القرآن، فقوله: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾ هم، أي من الأمّيين. وإنّما قال ما قال في سلمان ليستدلّ على أنّ الإسلام ليس خاصًّا بالأميّين، كما قد يُتَوهَّم من الآية. والله أعلم (^٢).
_________
(^١) رقم (٤٨٩٧، ٤٨٩٨).
(^٢) وانظر كلام المؤلف على هذه المسألة في ترجمة الشافعي في «التنكيل» (رقم ١٨٩).
24 / 111
* باب تزويج الصغار من الكبار (تزويج عائشة) (^١).
«فتح الباري» (١١/ ٣٢) (^٢): «وقال ابن بطَّال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعًا، ولو كانت في المهد، لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء. فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة؛ لأنّه أمرٌ مجمع عليه. قال: ويؤخذ من الحديث أنّ الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها.
قلت: كأنّه أخذ ذلك من عدم ذكره، وليس بواضح الدلالة، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر، وهو الظاهر، فإنّ القصة وقعت بمكة قبل الهجرة».
* (قال البخاري:) باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ (^٣).
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة: «أنّ النبي ﵌ تزوجها وهي بنت ستِّ سنين، وأدخلت عليه وهي بنتُ تسعٍ ومكثت عنده تسعًا».
«فتح الباري» (٩/ص ٧١) (^٤): «... وهو استنباط حسن، لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر. ويمكن أن يقال: الأصل في
_________
(^١) رقم (٥٠٨١). ونص الحديث: عن عروة أن النبي ﷺ خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال: «أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال».
(^٢) (٩/ ١٢٤) ط. السلفية.
(^٣) رقم (٥١٣٣).
(^٤) (٩/ ١٩٠).
24 / 112
الأبضاع التحريم إلا ما دلّ عليه الدليل، وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبي بكر لها وهي دون البلوغ، فبقي ما عداه على الأصل ... قال المهلب: أجمعوا أنّه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر، ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلاّ أنّ الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ (^١). وحكى ابن حزم (^٢) عن ابن شبرمة مطلقًا أنّ الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أنّ تزويج النبي ﵌ عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه».
* عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدَّثهم أن النبي ﵌ قال: «لا تُنكح الأَيِّم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذَن» (^٣).
«فتح الباري» (٩/ص ٧٢) (^٤): «... ثمّ إنّ الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوَّجة بكرًا كانت أو ثيبًا، صغيرةً كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تُستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها».
«فتح الباري» (٩/ص ٧٣) (^٥): «قال (لعله ابن شعبان) (^٦): وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ البكر التي أُمِرَ باستئذانها هي البالغ، إذ لا معنى
_________
(^١) الذي في «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٢٥٧) أن ابن شبرمة منع تزويج الصغار مطلقًا.
(^٢) في «المحلى» (٩/ ٤٥٩).
(^٣) رقم (٥١٣٦).
(^٤) (٩/ ١٩١ - ١٩٢).
(^٥) (٩/ ١٩٣).
(^٦) من كلام الشيخ جعله بين هلالين.
24 / 113
لاستئذان من لا تدري ما الإذن، ومن يستوي سكوتها وسخطها» اهـ.
يقول كاتبه: أمّا الآية ففي دلالتها على صحة زواج الصغار نظر؛ وذلك أنّ قوله: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ يصدق على اللائي لم يحضن لِعِلّة، مع أنهنَّ بالغات، وعلى اللائي لم يحضن لصغرهنّ، فليست خاصة بالصغار.
فإن قيل: نعم، ولكنها تعمُّهنّ.
قلت: العموم هنا مقيّد بكونهن أزواجًا؛ لأنّ المعنى: واللائي لم يحضن من نسائكم المطلقات، فلا تعمّ إلا اللائي لم يحضن وهنّ أزواج.
فمعنى الآية: أن كل من لم تَحِضْ من أزواجكم عدتها ثلاثة أشهر. ولا يلزم من هذا أنّ كلّ مَنْ لم تحض يصحّ أن تكون زوجة، كما تقول: كل طويل من بني تميم شريف. فلا يلزم منه أنّ كل طويل من الناس يمكن أن يُجعل من بني تميم. فتأمّله، فإنّه دقيق!
ثم لو فرض أنّ الآية تدل بعمومها على صحة زواج الصغار، فللمخالف أن يقول: هي مخصصة بقوله ﵌: «ولا تنكح البكر حتى تستأذن». إذ معناه: حتى يطلب منها الإذن فتأذن. والصغيرة إنّما يصدق عليها شرعًا أنها أذنت بعد بلوغها، فيلزم منه: لا تنكح الصغيرة حتى تبلغ، فتُستأذن فتأذن.
وقد تقدم في الكلام «الفتح» أنّه لا معنى لاستئذان الصغيرة، وأنّه لا عبارة لها.
ولكنهم حاولوا بذلك إخراجها من الحديث، وهو مردود لدخولها في عموم البكر. وعدمُ صحة استئذانها وإذنها في حال الصغر لا يكفي في إخراجها؛ لأنّ استئذانها وإذنها ممكن بعد أن تبلغ.
24 / 114
وفي كلام «الفتح» في باب تزويج الصغار من الكبار ما يتضمن الاعتراف بهذا، كما تقدم. فقد ثبت أن لا دلالة في الآية.
وبقي زواجه ﵌ عائشةَ. فأمّا ما نُقِل عن ابن شبرمة أنّه من خصائصه ﵌، فلم يذكروا دليله، فإن كان قاله بلا دليل، فهو مردود عليه لأنّ الخصوصية لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل فعله ﵌ حجة ما لم يثبت الاختصاص. وإن كان قاله بدلالة قوله ﵌: «ولا تنكح البكر حتى تستأذن» على ما قدّمنا، ففيه نظر؛ لما ذكره الحافظ من أنّ زواج عائشة كان قبل هذا الحديث.
فإذا كان الحديث يدلّ على المنع فيحتمل أن يكون المنع إنّما لزم من حينئذ، ولم يكن المنع سابقًا.
وحينئذٍ يكون زواج عائشة جاريًا على الحكم السابق، وهو عدم المنع، فلا خصوصية. وقد يؤيد هذا ما روي عنه ﵌ أنّه قال في بعض بنات عمِّه العباس: «إن أدركَتْ وأنا حيّ تزوَّجتُها» أو كما قال (^١).
نعم، مقصود ابن شبرمة من ردّ الاستدلال بزواج عائشة حاصل على كلّ حال؛ لأنّه إن لم يكن على وجه الخصوصية فهو منسوخ.
_________
(^١) أخرجه أحمد (٢٦٨٧٠) وأبو يعلى (٧٠٧٥) وغيرهما من حديث ابن عباس بلفظ: «لئن بلغتْ بُنيَّة العباس هذه وأنا حيّ، لأتزوجنَّها». قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤/ ٢٧٦): «في إسنادهما الحسين بن عبد الله بن عباس، وهو متروك، وقد وثقه ابن معين في رواية».
24 / 115
ولا يقال: كان يجب لو كان منسوخًا أن يفارقها النبي ﵌ عند ورود النسخ، لِما هو ظاهر من أنّ النسخ إنّما يتسلط على ما يتجدّد من الأعمال، لا على ما تقدّم قبله.
ثم إنّه لم يرد النسخ حتى بلغت عائشة ﵂. ومع هذا، فيحتمل أن يكون معنى قوله ﵌: «لا تنكح البكر حتى تستأذن» أي لا يبتّ نكاحها، فأمّا أن يقع العقد من الوليِّ ويكون البتُّ موقوفًا على رضاها = فلا، كما يقوله بعض الفقهاء في البكر البالغة، بل وفي الثيب، وعلى قياس ما يقولونه في بيع الفضولي.
فإن صحّ هذا الاحتمال فلا مانع من أن يكون عقدُ أبي بكر بعائشة من هذا القبيل، ثم حين بلغت تسع سنين، بلغت وأقرَّت العقد.
وعليه فلا مخالفة، ولا نسخ، ولا خصوصية.
لكن ظاهر قوله ﵌: «ولا تنكح البكر» يأبى ما ذُكر. فتأمّل.
وعلى كل حال، فليس بيد الجمهور دليل على صحة زواج الصغيرة إلا الإجماع. ولم يثبت في المسألة إجماع إذا عرَّفنا الإجماع بما كان يعرِّفه به الشافعي وأحمد. بل غايته أنّه قول لم يُعرف له مخالف قبل ابن شبرمة.
والشافعي وأحمد لا يعتبران مثل هذا إجماعًا تردُّ به دلالة السنة. فمذهب ابن شبرمة قويٌّ، والله أعلم.
* * * *
24 / 116
في البخاري، باب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس، وللعروس ثم ذكر الحديث (^١).
قال السِّنْدي (^٢): ليس في الحديث ما يدل على الدعاء لهنّ، وإنّما فيه الدعاء للعروس، وقد تكلّف بعضهم ... إلخ.
أقول: أمّا الدعاء الذي في الحديث فهو من النساء للزواج؛ لأنهنَّ قلن: «على الخير والبركة، وعلى خير طائر». فقولهنَّ: «على ...» إلخ، متعلق بمحذوف تقديره: هذا الزواج على الخير ... إلخ. وهذا واضحٌ جدًّا.
فالدعاء حينئذٍ (^٣) ينال الأمّ؛ لأنّه إذا كان زواج بنتها على الخير كان ذلك خيرًا لها. ومع هذا، فليس بظاهر المطابقة للترجمة.
فالغالب أنّ البخاري أشار إلى شيء جاء في رواية أخرى فيه الدعاء للمُهديات. أو يكون وقع تحريف من النساخ؛ والأصل: «بابُ دعاء النساء اللاتي يهدين العروس للعروس». والله أعلم.
* * * *
_________
(^١) رقم (٥١٥٦) ونصه: عن عائشة ﵂ تزوَّجني النبي ﵌ فأتتْني أُمِّي فأدخلتْني الدار فإذا نسوةٌ من الأنصار في البيت فقلْنَ: «على الخير والبركة، وعلى خير طائر».
(^٢) في «الحاشية» (٣/ ٢٥٣).
(^٣) اختصرها الشيخ إلى (ح) وقد وقع له هذا مرارًا.
24 / 117
كتاب النفقات، باب ﴿عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾، وهل على المرأة من شيء؟ ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ إلى قوله: ﴿صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦].
«حاشية السِّنْدي» (^١): «قال الكرماني: شبّه منزلة المرأة من الوارث بمنزلة الأبكم ...» إلخ.
يقول كاتبه: بل مراد البخاري ــ والله أعلم ــ الاستدلال بالآية على أنّ المرأة قد يجب عليها نفقة قريبها.
وذلك من قوله تعالى: ﴿كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾، ويفسَّر المولى بالقريب، وهو يعم الرجل والمرأة. وإيضاحه: أنّ في الآية الإخبار أنّ هذا الرجل (كَلٌّ) أي: ثقل، أي تكون نفقته وكسوته وجميع ما يحتاجه (على مولاه) أي: قريبه. وهو صادق بالرجل والمرأة. فتأمّل.
ثم أورد تحت الترجمة حديث هند (^٢) وقولها (^٣): فهل عليَّ جُناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبنيَّ؟ قال: «خذي بالمعروف».
فأمرها أن تأخذ نفقة بنيها، فدلّ على أنّه يجب عليها القيام بمصلحتهم.
ويوضّحه: أنّها لو استأذنته ﵌ أن تأخذ نفقة ضرَّة لها مثلًا، ممّن هو أجنبيّ عنها= لما أذن لها؛ لأنّه ليس عليها مراعاة مصلحة ضرَّتها مثلًا. فدلّ
_________
(^١) (٣/ ٢٨٩).
(^٢) رقم (٥٣٧٠).
(^٣) في الأصل: «قوله».
24 / 118
الحديث على أنّ عليها مراعاة مصلحة ولدها.
فقد يؤخذ من ذلك أنّ عليها نفقتهم إذا لم يكن هناك من هو أولى منها. والله أعلم (^١).
* * * *
الأدب ــ باب ما يجوز من الغضب (^٢)
عن زيد بن ثابت ﵁ قال: احتجر رسول الله ﵌ حجيرة مخصفة أو حصيرًا، فخرج رسول الله ﵌ يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله ﵌ عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبًا فقال لهم رسول الله ﵌: «ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيُكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة».
أقول: قد يؤخذ من هذه الرواية ونحوها أن خشيته ﵌ أن يُكتب عليهم ليست لمداومتهم أو لحرصهم كما هو المشهور، وإنما هي لرفعهم أصواتهم وحصبهم الباب، وهذا هو المناسب كما لا يخفى.
ولولا أن في بعض الروايات (^٣) زيادة: «ولو كتب عليكم ما قمتم به»
_________
(^١) ما تقدم من التعليقات من (ص ١٠٦) إلى هنا من مجموع [٤٧١٩].
(^٢) رقم (٦١١٣).
(^٣) برقم (٧٢٩٠).
24 / 119
لأمكن حمل قوله: «ظننت أنه سيكتب عليكم» [على أنه] يريد به إثم رفعهم أصواتهم وحصبهم الباب. والله أعلم.
* * * *
«كتاب الأدب» - بابٌ «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرَّتين»
[عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﵌ أنه قال: «لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرَّتين» (^١)].
زعم السِّنْدي (^٢) أن هذا في أمور الدين لا في أمور الدنيا لحديث: «المؤمن غرٌّ كريم» (^٣).
وهذا كلام لا وجه له؛ فإن الغرَّ هو من ليس له تجربة، فكثيرًا ما يغترُّ. وهذا إنما يتحقَّق أول مرَّة.
فأما إذا لدغ من جحر مرَّتين فإن العرب لا تسمِّيه غرًّا، ولا تقول: اغترَّ. بل هو أحمق، بل لو قيل: إن قوله: «لا يُلدغ ...» إلخ خاص بأمور الدنيا لكان أقرب؛ لأن أمور الدين يجب أن تُبنى على الحذر فلا يغتر المؤمن فيها أصلًا، كما لو حدّث رجل بحديث عن النبي ﵌ فإن الواجب أن لا يَغترَّ به بل يَبحث عن عدالته وضبطه من أول مرَّة.
* * * *
_________
(^١) رقم (٦١٣٣).
(^٢) في «حاشيته» (٤/ ٧٠).
(^٣) أخرجه أحمد (٩١١٨) وأبو داود (٤٧٩٠) والترمذي (١٩٦٤) وغيرهم من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
24 / 120
قصة سلمان وأبي الدرداء («صحيح البخاري» (^١) ــ كتاب الأدب ــ باب صنع الطعام والتكلُّف للضيف).
وفيه تخصيص لمفهوم قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ (^٢).
* * * *
«صحيح البخاري» (^٣) في الاستئذان: عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال النبي ﵌: «إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم»
في «الهامش» (^٤): بإثبات الواو ويجوز حذفها كما قاله النووي (^٥)، قال: والإثبات أجود، ولا مفسدة فيه أي من جهة التشريك لأن السام الموت، وهو علينا وعليهم. انتهى.
أقول: يعكّر عليه قوله ﵌ لعائشة حين ردّ على اليهود بقوله «وعليكم»: «يُستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ» (^٦). وقد بوّب عليه البخاري في كتاب الدعوات: باب قول النبي ﵌: يستجاب لنا في اليهود،
_________
(^١) برقم (٦١٣٩).
(^٢) حيث نهى سلمان الفارسي أبا الدرداء عن الصلاة أول الليل ووسطه، وأمره بالنوم، فأقرَّه النبي ﵌ على ذلك النهي.
(^٣) رقم (٦٢٥٨).
(^٤) «حاشية السِّندي» (٤/ ٩١).
(^٥) في «شرح صحيح مسلم» (١٤/ ١٤٥).
(^٦) رقم (٦٤٠١).
24 / 121