كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ، فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا، وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ الله ﷺ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ (^١)، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ الله! والله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ " (^٢).
ويظهر أنَّ النَّبيَّ ﷺ كره أن يصرِّحَ بالأمر، فصرَّحَ به بعضُ أصحابه ﷺ، فلمَّا تفطَّنت للأمر نَفَتْ أنَّها رأت فيها ما يسألون عنه أبدًا، وأنَّها لا تعلم فيها إلّا الخُلُوص من العيب كما يعلم الصّائغُ من الذَّهب الأحمر الخُلُوص من العيب.
موقف النّبيّ ﷺ -
لم يَشُكَّ النَّبيُّ ﷺ ببراءة عائشة قطُّ، وحاشا للنَّبيِّ ﷺ من ذلك، وإنَّما تعيَّن عليه استشارة أهل بطانته، والتَّنقيب عن هذه القصَّة؛ لقطع دابر الطُّغيان واجتثاث شُبَه أهل الإفك بإقامة الحجَّة عليهم.
وإلّا فإنَّ براءة عائشة ﵂ محقَّقةٌ عنده ﷺ، فالنَّبيُّ ﷺ أعلم النَّاس بعائشة ﵂، وبجميل أحوالها وارتفاعها عن الدَّنايا، فصحبة عائشة ﵂ له آكد مِنْ صحبة غيرها مِنْ نسائه، لكنَّه ﷺ لم يكن يحكم لنفسه إلّا بعد نزول الوحي، ولم يكن ليحكم على عائشة ﵂ برأي؛ لقوله تعالى: ﴿بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ (١٠٥)﴾ [النِّساء]
وليس له ﷺ أن يتكلم في أَمْر ليس له به علم، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (٣٦)﴾ [الإسراء] فالنَّبيُّ ﷺ لا يُثْبِتُ أمرًا، ولا ينفيه إلَّا بعلم كما أُمِر.