موقف أبي بكر الصّدّيق ﵁ -
لم يؤثِّرْ حديثُ الإفك في أمِّ رومان ﵂ مثل ما أثَّر في عائشة ﵂، فآنست عائشة ﵂ من أمِّها قوَّة عقيدة وعظيم ثقة بالله تعالى أنَّ هذه الشِّدَّة بعد أن اشتدَّت سيعقبها الفَرَجُ، فسألتها عائشة ﵂ إن كان أبوها وزوجها قد عَلِما بذلك، فأخبرتها أنّهما قد علما الحديث، فَطَفَرَتْ من عينيها الدُّموعُ ﵂.
وكان أبوها أبو بكر ﵁ فوق البيت يقرأ، فسمع صوتها، فنزل وسَأل أمَّ رومان عن شأنها، فأخبرته أنَّها علمت الحديث، ففاض الدَّمْعُ من عينيه ﵁، وأقسم عليها أن ترجع إلى بيتها.
ففي رواية هشام بن عروة تقول عائشة عن أمّها: " وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ الله ﷺ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَرَسُولُ الله ﷺ، وَاسْتَعْبَرْتُ، وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وَهُوَ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ، فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعْتُ" (^١).
وبكاء عائشة ﵂ وأبيها ﵁ حرقة؛ فما قيل لهم هذا في الجاهليَّة، فكيف وقد أعزَّهم الله بالإسلام! وهذا البلاء يؤثِّر فينا، فكيف بمن تجرَّعه صابرًا محتسبًا.
موقف أمّهات المؤمنين ﵅
لم تُنْقَلْ عن أمَّهات المؤمنين مع تعاظم الحال في حديث الإفك كلمةُ شرٍّ ولا أصغر منها ولا أكبر. مَا نُقِلَ إلّا تزكية عائشة، وقَول: " لا نعلم إلّا خيرًا "،