Al-Anwar Al-Kashifah Lima Fi Kitab 'Adwa' Ala Al-Sunnah' - Within 'Athar Al-Mu’allimi'
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي»
তদারক
علي بن محمد العمران
প্রকাশক
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٤ هـ
জনগুলি
الأنوار الكاشفة
لما في كتاب «أضواء على السنة»
من الخلل والتضليل والمجازفة
تأليف
الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
(١٣١٣ - ١٣٨٦ هـ)
رحمه الله تعالى
تحقيق
علي بن محمد العمران
مقدمة 12 / 1
راجع هذا الجزء
محمد أجمل الإصلاحي
عادل بن عبد الشكور الزرقي
مقدمة 12 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا كتاب "الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة" للشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي ﵀. وواضح من عنوانه أنه نقضٌ لكتاب "أضواء على السنة المحمّدية" لمحمود أبو رية.
وخلاصة كتاب أبي رية: توجيه جملة من الطعون والشبهات إلى السنة النبوية والعمل بها، وإلى علم الحديث وعلمائه، وإلى رواة الحديث وحَمَلته، بل وإلى طائفة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين! وخصّ منهم بالطعن راويةَ الإسلام وحافظَ سنة النبي ﵇: أبا هريرة ﵁، ولم يكتفِ بالطعن بل زاد إليه السفاهةَ والتهكّمَ والتجنّي (^١).
_________
(^١) قال الشيخ أحمد شاكر ﵀ في حاشية "المسند": (٦/ ٥٢٢): "وقد لهج أعداء الإسلام في عصرنا وشغفوا بالطعن في أبي هريرة، وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته، وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا - زعموا - إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعًا لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن أو الأخذ بما صح من الحديث - في رأيهم - وما صح من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوربا وشرائعها".
مقدمة 12 / 5
ولن أكشف سِرًّا إذا قلت: إن أبا رية لم يُضف جديدًا إلى البحث العلمي، ولا إلى أصل الشُّبَه والطعون التي يذكرها الطاعنون في السنة النبوية وحَمَلَتها، بل كان في حقيقة أمره مِن مستنقع المستشرقين وأضرابهم يمتح، وعن مائهم الآسن يصدر! ولولا ما مَهَدوه له لَما راح أبو ريّة ولا جاء!
= مع ذلك فقد امتاز كتابه بأمور فاق بها مَن تقدّمه من الطاعنين، يجمعها: "ضعف الوازع الديني والأخلاقي والعلمي"! وتفصيلها: السفاهة والتجنّي، والتهوّر والمجازفة. مقدّمًا تلك النقائص في ثوب أدبيّ جميل!
هذا هو جديد أبي رية في كتابه ــ وبئس ما جدّد ــ، فما كان غرضه منه وما هو الدافع لانتهاجه؟ أقول: أما السفاهة ... وأخواتها فلِغَرَضِ أنه قد انتهى من إضعاف السنة وضعضعتها ــ زعم ــ فما بقي إلا التهكّم بها وبحَمَلتها؛ فيجرؤ من يقف على كتابه على نقد السنة مهما كانت قوّةُ ثبوتها. وأما الأسلوب الأدبي فلتغرير القارئ وصرفه عن ملاحظة سوء كتابه، فهو كمن يسقيك سمًّا في زجاجة فاخرة!
وقد عَلِم الناسُ ــ بحمد الله ــ منذ أن صدر كتاب أبي رية أن غرضه منه أمر واحد هو (الطعن في السنة النبوية وحَمَلتها)! وقد جهد في حجب هذه النتيجة المكشوفة تارة في المقدمة، وتارة في الخاتمة، وأخيرًا بأن كتب على غلاف كتابه: (دفاع عن الحديث) (^١)! فما أغنته محاولاته تلك وما صدّقه أحد (^٢)؟
_________
(^١) كتب ذلك في الطبعات اللاحقة، وكان قد كتب على لوح الطبعة الأولى: "دراسة"! فما صدّقه أحد في عبارته الأولى، فغيّرها، ولن يصدّقه أحد في الثانية.
(^٢) إلا الرافضة فقد صدقوه وأثنوا عليه ثناءً بالغًا وعلى كتابه! فهنيئًا له تصديق الكذوب!
مقدمة 12 / 6
فَعلَ أبو رية تلك الشناعات إرضاء لرَغَبات مَن وَجَّه إليهم عملَه هذا؟ فقد قال في ختام مقدمته: "وإني لأتوجّه بعملي هذا ... إلى المثقفين من المسلمين خاصة، وإلى المهتمين بالدراسات الدينية عامة" (^١).
وانظر بمَ علل توجيهه إليهم قال: "ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدرَه. واللهَ أدعو أن يجدوا فيه جميعًا ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم". فالمستشرقون وأتباعهم هم فقط من سيَقْدُر كتاب أبي رية قدرَه ... وهم فقط من يحرص أبو ريّة أن ترضيهم نتائجُ كتابه ... ! ولن ترضى اليهودُ ولا النصارى عن أحدٍ حتى يتّبع مِلّتهم كما أخبر الله في كتابه (^٢).
ولئن غابت عنّا أمور عن أبي رية ودوافعه ... فلن تغيب عنّا علاقاته الحميمة، وصِلاته المريبة بالرافضة، الذين وجدوا فيه مطيّة طيّعةً لخدمة مآربهم وأغراضهم؛ من الطعن في الصحابة نَقَلَة الشريعة؛ للتوصل إلى الطعن في الدين نفسه، كما سيأتي شرح ذلك في ترجمة أبي رية. وهو ما فَطَن له الشيخ المعلمي فأشار إليه بقوله: "وطائفة لا يرضاها ولكنه رأى أنّ في كلامه ما يعجبها فراح يتملّقها في مواضع؛ رجاء أن يروج لديها كتابه كما راج لديها كتاب فلان" (^٣).
_________
(^١) علق الشيخ المعلمي على هذا بقوله: "يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين". ولأجل أن هذا كان قصده اضطرّ لتغييره في الطبعات اللاحقة إلى "بالدراسات الإسلامية".
(^٢) سورة البقرة آية ١٢٠.
(^٣) "الأنوار الكاشفة" (ص ١٨).
أقول: لعل الشيخ يقصد بـ (فلان) طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى" فقد أساء الأدب إلى بعض الصحابة، وأنكر وجود عبد الله بن سبأ اليهودي. وله آراء أخرى ذكرها بعض الرافضة عنه ــ إن صدقوا ــ. انظر "مع رجال الفكر في القاهرة": (١/ ٢٧٦ - ٢٧٨) للرضوي.
مقدمة 12 / 7
قلت: وقول المؤلف: "لا يرضاها" إحسان للظن بأبي رية، وقد ثبت أنه يرضاها وترضاه، وبينه وبين شيوخها صلات حميمة وعلائق وشيجة ــ كما سيأتي شرحه ــ.
وليس وصف أبي ريّة بكونه تابعًا ذليلًا لهؤلاء وأولئك من الطاعنين في السنة= تجنّيًا عليه أو تقويلًا له ما لم يقله، بل هو الذي ألْمَحَ إلى ذلك في أول كتابه كما مرّ (^١)، وصرّح به في أثنائه، فأحال لاستكمال مباحثه إلى كتب اليهوديّ جولد زيهر وأشباهه (^٢)! وقد حاول أن يغطّي تلك العلاقة، ويلبس ثوبَ النصيحة والغيرة على الحديث النبوي، لكن هيهات! فها هو قد أفصح عما كان يخفيه، وكل إناء ينضح بالذي فيه، وصَدَق المؤلف إذ ضرب لصنيعه مثلًا: "صَدَقني سِنَّ بَكْرِه" (^٣).
كَتَب أبو رية كتابه هذا على حين فترةٍ من علماء الحديث ونُقّاده، وهجمة مَهُولة على علوم الدين وثوابت الشريعة (^٤)، وما علم أن في الزوايا
_________
(^١) (ص ٧)، كما في مقدمة الطبعة الأولى، واضطر لتغيير العبارة في الطبعات اللاحقة، لتضليل الناس وتنفيق كتابه، لكن هيهات!
(^٢) انظر ص ١٩٣ من كتابنا هذا.
(^٣) الموضع السالف.
(^٤) فكتَبَ مصطفى عبد الرّازق "الإسلام وأصول الحكم" في نفي وجوب التحاكم إلى الشريعة، وكتب قاسم أمين "المرأة الجديدة" و"تحرير المرأة" في تشريع التبرّج والسفور، وكتب طه حسين "في الشعر الجاهلي" وإنكار القصص القرآني ... وكتب أبو رية كتابه هذا وكتابه "شيخ المضيرة ... " في الطعن في السنة وأهلها.
مقدمة 12 / 8
خبايا، وأن الله تعالى قد أبقى للسنة والحديث خُدّامًا وحُرّاسًا، فقد نَهَض للردّ على أبي رية في كتابه هذا جمعٌ من أهل العلم بُعيد صدور كتابه بقليل، فكتب الشيخ محمد محمد أبو شهبة مقالات في "مجلة الأزهر"، ثم أصدر كتابًا سماه: "دفاع عن السنة والردّ على شبهات المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين"، وكتب الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة كتابًا سماه: "ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية"، وكتب الدكتور مصطفى السباعي ردًّا ضمن كتابه "السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي". وكتب الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني "الأنوار الكاشفة ... " فكان ردّه واسطة العقد، ونهاية التحقيق.
وقد طبع كتابنا هذا "الأنوار الكاشفة ... " في حياة مؤلِّفه سنة ١٣٧٨ هـ في المطبعة السلفية ومكتبتها لمحبّ الدين الخطيب، وأعيد تصويره مرارًا. وها هو اليوم يظهر ضمن هذا المشروع المبارك في حلة قشيبة تليق به وبمكانة مؤلفه.
وقد قدمت بين يدي الكتاب عدة مباحث تتعلق بالتعريف بالكتاب وهي:
- اسم الكتاب.
- تاريخ تأليفه.
- سبب تأليفه.
- أهم الموضوعات التي ناقشها الكتاب.
- منهج المؤلّف وطريقته في المناقشة والتقرير.
مقدمة 12 / 9
- ترجمة محمود أبو رية (المردود عليه).
- طبعات الكتاب.
- مخطوطات الكتاب.
- منهج التحقيق.
ثم ختمناه بفهارس كاشفة متنوّعة، والحمد لله رب العالمين.
وكتب
aliomran@hotmail.com
a-alemran تويتر
مقدمة 12 / 10
التعريف بالكتاب
* اسم الكتاب:
سمى المؤلف كتابه: "الأنوار الكاشفة لما في كتاب (أضواء على السنة) من الزلل والتضليل والمجازفة". لم أقف على هذه التسمية بخط المؤلف في المسوّدة التي وقفت عليها، وغالب الظن أن يكون كتبه على ورقة العنوان في المبيّضة التي طبع الكتاب عنها، وقد طبع في حياته، فيبعد جدًّا أن يسمّى بغير ما سمّاه به مؤلفه. وللشيخ عادة في التسميات المسجوعة، مثل "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، و"إرشاد العامِه إلى الكذب وأحكامه" و"الاستبصار في نقد الأخبار" وغير ذلك.
* تاريخ تأليفه
نصّ المؤلّف على تاريخ تأليف كتابه في آخره قال: "انتهى ... جمع هذا الكتاب في أواخر شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٧٨".
أما بداية جمعه له وكم استغرق من الوقت؛ فيمكن أن نستدل عليه بالآتي: انتهى أبو رية من تأليف كتابه في الخامس من جمادى الأولى سنة ١٣٧٧ هـ، كما نص عليه في آخر مقدمته (ص ١٥ - ط الأولى، ١٠ - ط السادسة). فيكون بين انتهاء أبي رية من تأليف كتابه وانتهاء الشيخ من ردّه سنة وشهر. ولو حسبنا المدة التي استغرقتها طباعةُ كتاب أبي رية، ثم وصوله من مصر إلى مكة، ثم تأليف الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة لجملة من التعليقات والملاحظات على كتاب أبي رية واطلاع الشيخ عليها بغرض التقديم لها (انظر المبحث الآتي)، ومن ثَمّ وقوفه على كتاب أبي رية. بعد
مقدمة 12 / 11
ذلك شَرَع الشيخُ في تأليف كتابه. فلا أظنّ الشيخ قد شرع في كتابه إلا بعد مضيّ بضعة أشهر على طباعة كتاب أبي رية، فعليه يكون الشيخ قد مكث في تأليفه نحو ثمانية أشهر أو أقل.
وهو وقت قياسيّ إذا ما اعتبرنا قيمة الكتاب العلمية وتحرير مسائله، وتتبّع أبي رية في جميع ما أورده من نقول وقضايا، والرجوع لجميع مصادره، مع عدم توفّر بعضها، وكتابة مسوّدته ثم تبييضها. مع اشتغال الشيخ بأعمال علميّة أخرى، وعمله الرسمي في مكتبة الحرم المكي الشريف.
* سبب تأليفه:
أبان المؤلف عن سبب تأليف كتابه في إحدى تعاليقه المخطوطة المدرجة تحت عنوان "الأنوار الكاشفة": (الدفتر الثالث ص ١) بقوله: " ... فإن فضيلة أخي العلامة محمد عبد الرزاق حمزة كتب ــ وهو على فراش المرض عافاه الله ــ "مطالعات وملاحظات على كتاب ألّفه الأستاذ محمود أبو ريّة وسماه "أضواء على السنة المحمدية".
فأرسل إليّ حضرة المحسن الكريم صاحب الفضيلة الشيخ محمد نصيف تلك الملاحظات، وتقدَّم إليَّ بأن أكتب كلمة تكون بمثابة مقدّمة، فاحتجتُ مع الاطلاع على الملاحظات أن أطالع كتاب أبي رية، فتبيّن لي أنّ استيفاء الكلام له وعليه يستدعي تأليفًا مستقلًّا، عسى أن يتيسّر لي فيما بعد .. ". وذكر قريبًا منه في الدفتر الرابع من المسوّدة. ثم كتب المؤلف في تلك الورقات ملاحظات على كتاب أبي رية.
ثم لمّا عَزَم على تأليف كتابه هذا كان الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ﵀ قد زاد في كتابه وتوسّع فيه، فلم يعُد مجرّد "مطالعات وملاحظات"
مقدمة 12 / 12
لكنه لم يكمُل. فذكر الشيخ المعلمي في صدر كتابه أنه استفاد منه، ووصفه في المقدّمة بكونه "ردًّا مبسوطًا لم يكمل حتى الآن". ومع ذلك فقد رأى المصنف أنه ينبغي له تأليف كتاب مفرد في الردّ، قال: "ورأيتُ من الحقّ عليَّ أن أضع رسالةً أسوقُ فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقِّب كلّ قضية ببيان الحقّ فيها، متحرِّيًا إن شاء الله تعالى الحقّ، وأسأل الله التوفيق والتسديد ... " (^١).
* منهج المؤلّف وطريقته في المناقشة والتقرير:
يمكن تلخيص معالم منهج المؤلف في هذا الكتاب في النقاط الآتية:
١ - التصدير والمقدمة: كتب المؤلف تصديرًا في صفحة واحدة؛ أبان فيه عن تواضعه المعهود، وأنه كتب كتابه على عَجَل، وذَكَر مَن سبقه إلى الردّ وأنه استفاد منه، ومَن استحَثّه لإكمال الكتاب، ومَن أمدَّه ببعض المراجع أو مراجعة بعض النقول. ثم مقدمة قصيرة بين فيها وقوع كتاب أبي رية إليه، وعَلِمْنا في مبحث "سبب التأليف" كيف وقع إليه، ثم ذكر خلاصة كتاب أبي رية وأنه "تكميل للمطاعن في السنة"، وذكر كتاب الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة بما سبق ذكره في سبب التأليف، وأنه من الحق عليه أن أن يفرد في الرد على أبي رية كتابًا يتعقّب قضاياه ببيان الحق فيها ...
٢ - الترتيب: جرى المؤلف في نقده للكتاب على ترتيب الكتاب المنقود وفصلًا فصلًا وبحثًا بحثًا من أول الكتاب إلى آخره، اللهم إلا في موضوعات قليلة، مثل عدالة الصحابة، فقد أخّر الكلامَ عليه مستوفى إلى آخر الكتاب (ص ٣٦٥) حيث ذكر أبو رية فصلًا خاصًّا بذلك، فأخّره الشيخ
_________
(^١) "الأنوار الكاشفة" (ص ٥).
مقدمة 12 / 13
إلى مكانه ورجع ينقل وينقد ما ذكره في أول الكتاب، وكذلك فَعَل في مواضع أخرى.
٣ - طريقته: ينقل كلام أبي رية بحروفه بذكر رقم الصفحة من الطبعة الأولى لكتاب أبي رية، ثم يسوق كلامه موضعَ النقد بين قوسين صغيرين "". فأحيانًا يسوق موضع النقد فلا يتعدى كلمات، وأحيانًا يسوقه بطوله فيبلغ عشرة أسطر، وذلك بحسب مقتضى الحال. ثم يتعقبه بقوله: "أقول". وجرى على هذا من أول الكتاب إلى آخره.
٤ - منهجه: نحا الشيخ في رده منحى علميًّا منضبطًا، مبتعدًا عن أسلوب الإنشاء والخطابة، فتتبّع كتاب أبي رية في نقوله وقضاياه؛ فإن نقل أبو رية من كتابٍ راجعه وتثبّت من نقله، فإن وجد النقل كما هو بيّن ثبوتَ النقل مِن عدمه وصحّته من ضعفه، فإن كان ثابتًا نظَرَ فيه نَظَرَ العالم المنصف المريد للحق، فنظر في النصوص النبوية نظرَ أهل العلم؛ وذلك بالقبول والعمل عند سلامتها من المعارض، وبالجمع والتوجيه عند وجود التعارض أو الإشكال. وتعامَلَ مع آثار السلف ونصوص العلماء بفهمها وتوجيهها بالنظر إلى سياقاتها ومناسباتها ومراد قائلها منها بتجرّد ونصَفَة.
أما إن تبيّن أنّ النصّ غير ثابت، فيبيّن موضع العلة فيه، وسبب التضعيف، ثم ردّه عليه، فإن كان له وجهٌ مِن الفهم يسوغ ذَكَرَه تنزّلًا منه على فرض الثبوت.
فإن لم يجد النقل كما هو، بيّن تصرُّف أبي ريّة إما بالحذف أو التدليس أو التصرُّف، أو عدم نقل التضعيف للخبر من المصدر المنقول منه. انظر (٢١٥، ٢١٦، ٢٥٤، ٣٧٣، ٤١١).
مقدمة 12 / 14
فإن لم يجد النقل أصلًا بيّن أنه لم يجده، فيبقى أمر الحكم عليه حتى الوجدان ــ وهذا نادر ــ. وقد يبحث عنه الشيخ في مظانه فيجده، فيصحّح الإحالة إلى مكانه. ثم ينظر فيه نظره السابق الذي شرحناه.
أما إذا لم يذكر أبو رية مصدر النقل؛ فهذه ــ بتتبّع المؤلف ــ حيلته في تدليس بلاياه، وأنه إن ذكر مصدرَه سيُفضَح بذكره، كما بيّنه الشيخ في مواضع (ص ٢٤٢، ٢٤٦، ٢٥٨).
أما ما يذكره أبو رية من القضايا والمسائل والإشكالات، فينظر الشيخ في ذلك كلّه نظَرَ العالم المتبحِّر العارف، فيحلّلها ويدرسها دراسةً عميقة متأنّية، ثم يأتي بخلاصتها في أسطر معدودة، وقد يطيل النَّفَس بعض إطالةٍ إن اقتضى الأمر ذلك، وتلك مسائل معدودة، وأنا على يقين أن الشيخ مال إلى تلخيص القضايا حتى لا يطول الكتاب، وإلا فكثير من مباحثه وتحقيقاته التي ذكرها لم تتأتّ إلا بنَظَر طويل وتحقيق بالغ. فها هو الشيخ ص ١٩٠ يحيل إلى بحث له طويل في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ (^١) ثم يذكر خلاصته. وقال في موضع آخر (ص ٢٣٠): "وشرح ذلك يطول".
وبعد، فإن للمؤلف في كتابه ــ كما عوّدنا ــ من التحقيقات والإشارات والفوائد ما لو وقعت لغيره لتبجّح بها في طول الكتاب وعرضه، وزَعَم وزَعَم، لكن الشيخ في تواضعه ورزانته نادر المثال. وتأمل قوله ﵀: "الباحث المتّزن الواثق بحجته هو الذي يترك الإعلان عن نفسه وعن كتابه
_________
(^١) وهذا البحث مضمّن في "رسائل التفسير" من هذه الموسوعة المباركة.
مقدمة 12 / 15
إلى الأدلة نفسها، ويَدَع للناس الحريّة التامة في موافقته أو مخالفته" (^١).
* أهم الموضوعات التي ناقشها الكتاب:
- السنة ومكانتها من الدين.
- كتابة الحديث في العهد النبوي.
- هل نهى النبي ﷺ عن كتابة الحديث.
- الرد على نظرية "دين عام ودين خاص".
- الصحابة وروايتهم للحديث، وقضية تشديدهم في قبول الأخبار.
- الكذب على النبي ﷺ.
- الرواية بالمعنى.
- رواية الحديث ونقد الأئمة للرواة.
- الوضع وأسبابه.
- الإسرائيليات ووجودها في الحديث وردّ مزاعمَ لأبي رية فيها.
- تفنيد مكيدة مَهُولة حاول تمريرها والتدليس بها.
- ردّ مزاعم له بشأن المسيحيات في الحديث.
- الدفاع عن أبي هريرة ﵁ (ص ١٩٠ - ٣٢٠) وهو أطول فصل في الكتاب.
- أحاديث مشكلة والجواب عنها.
_________
(^١) "الأنوار الكاشفة": (الدفتر الرابع ص ٣ - مخ).
مقدمة 12 / 16
- تدوين الحديث وأقسام الخبر.
- الكلام على "الموطأ"، و"البخاري".
- المحدثون وعنايتهم بنقد المتن.
- الصحابة وعدالتهم.
- درجات الصحابة.
- القواعد النظرية القديمة والحديثة.
- طلب الحديث بعد فقهه.
- خاتمة أبي رية وفيها قضايا حديثية عدة.
* ترجمة محمود أبو رية (^١) (المردود عليه) (١٨٨٩ - ١٩٧٠):
نستطيع القول إن أبا رية لم يترجمه أحد، فقد جهِدْتُ وجَهِد الباحثون قبلي للوقوف على ترجمة له أو تعريف به فلم نظفر بكبير شيء، عدا معلومات متناثرة هنا وهناك، فكأنما تواصى الناسُ على إخمال ذكره (^٢)! ولولا أنه يُعاد ذكرُه عند الطاعنين في السنة والحديث مستشهدين بكتابه،
_________
(^١) تنبيه: هناك شخصية أخرى بالاسم نفسه "محمود أبو رية" وهو داعية مصريّ من الإخوان المسلمين (ت ٢٠٠٤)، وقد وقع خلطٌ بين الاثنين من بعض الكتّاب، وعليه جرى التنبيه.
(^٢) حتى أصدقاؤه ومعارفه ممن كتب في تراجم المعاصرين! وقد كنت كتبت رسالة إلى الأستاذ وديع فلسطين، أطلب منه أن يكتب لي ما يعرفه عن أبي ريّة، فلم يصلني منه شيء حتى اللحظة، وكان قد ذَكَره في مواضع من كتابه "وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره" ووصفه بالصديق.
مقدمة 12 / 17
وعند المدافعين عنها نقضًا لكلامه= لكان نَسْيًا منسيًّا! وهذا من عجيب صنع الله به!
غير أنه قد ذكره من لا يُفرَح بهم، من أعدء السنة وسُباب الصحابة، فذكروه وأشادوا به، وخلعوا عليه أفخم الألقاب، وسعوا في طباعة كتبه، وصارت بينه وبينهم صِلات حميمة ومودّة ورسائل خاصة. وأهمّ مَن ذَكَره منهم مرتضى الرضوي في كتابه "مع رجال الفكر في القاهرة": (١/ ١٣٠ - ١٥٨) (^١). والكتاب عبارة عن ذكريات المؤلف بمن التقى بهم في القاهرة، وما دار بينهم من أحاديث وحوارات، وليست تراجم متكاملة. وسنذكر منه ومن غيره (^٢) ما يفيد في التعريف بأبي رية.
اسمه: محمود أبو رية.
ولده في كفر المندره (مركز أجا) محافظة الدقهلية في ١٥ ديسمبر عام ١٨٨٩ م.
وتوفي في ١١ ديسمبر ١٩٧٠ م بالجيزة.
عاش في بلدته عيشة جيدة الحال، إلى أن حلّت به وبأسرته سنة ١٩١٦ م نكبةٌ مالية ذهبت بكل ما يملكون وساءت حاله جدًّا (^٣). وبقيت حاله في فاقة، وكان كثير الشكوى من حاله وتقلّب الدهر به (^٤).
_________
(^١) أرشد إلى هذه الترجمة أخي الشيخ عبد الرحمن قائد.
(^٢) ما كان من غيره ذكرتُ مصدره.
(^٣) "رسائل الرافعي" (ص ٢١).
(^٤) المصدر نفسه (ص ٢٣، ٣٤ - ٣٥).
مقدمة 12 / 18
انتسب إلى الأزهر في مقتبل عمره، لكنه لم يتجاوز المرحلة الثانوية الأزهرية مع محاولته أكثر من مرة، ثم عمل مصححًا للأخطاء المطبعية بجريدةٍ في بلده، ثم موظفًا في دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد (^١).
انتقل إلى المنصورة في سنة ١٩٢٤ م أو قبلها، ولم يأنس بها وكان يشكو من الوحشة فيها (^٢).
وفي المنصورة تولى تحرير جريدة التوفيق، وكان يشارك في تحرير جريدة المنصورة، ويراسل جريدتي المقطم والسياسة (^٣). ومع أنه قد تيسّرت أموره وحصّل وظيفة جديدة ... فلم يكن راضيًا بالحال التي هو عليها (^٤).
قضى أكثر أيام عمره في مدينة المنصورة حتى وفد إلى الجيزة عام ١٩٥٧ م، وبقي فيها إلى حين وفاته.
بدأ محمود أبو رية حياته ملتمسًا التعرّف بأشهر أُدباء عصره وكُتّابهم، حتى اتصلت أسبابه بإمام الأدب مصطفى صادق الرافعي عن طريق المراسلة، وذلك من عام ١٩١٢ م إلى عام ١٩٣٤ م قبل وفاة الرافعي بثلاث سنين (^٥).
_________
(^١) السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ص ٢١.
(^٢) "رسائل الرافعي" (ص ٩٤).
(^٣) المصدر نفسه (ص ٩٣).
(^٤) المصدر نفسه (ص ٩١، ١٠٧، ١١٠، ١١٣).
(^٥) بلغ مجموع الرسائل التي وصلته من الرافعي حوالي ٣٥٠ رسالة. نشر منها أبو رية ٢٦٣ رسالة، ومن خلالها استفدنا هذه المعلومات المعزوّة إليها. وللرافعي اهتمام بالغ بما يَرِدُ إليه من الرسائل وبأصحابها، وله في ذلك طرائف. انظر "حياة الرافعي" (ص ٢٥٠) للعريان.
مقدمة 12 / 19
وواضح من رسائله إلى الرافعي أنه كان يسعى لأن يكون كاتبًا يملك ناصية الأدب، ففي كثير منها يسأله عن كتب الأدب وكيف قراءتها، وكتب النحو والمنطق والتصحيح اللغوي ... (^١).
بدأ أبو رية بالكتابة في الصحف والمجلات المعروفة في عصره، وبتلخيص بعض الكتب الأدبية، ككتاب الحيوان للجاحظ وبعض الكتب الأدبية (^٢).
وكان في أولى مقالاته مدافعًا عن الدين وعن البلدان الإسلامية، فمرَّة تراه يستنجد للحجاز ليهب المسلمون بتقديم يد المساعدة إليه، وإلى أهل الحرمين قبيل الحرب العالمية الثانية، في مقال بعنوان: ما يجب على المسلمين للحجاز (^٣).
ومرةً يدعو إلى تطهير التوحيد مما لصق به، وإخلاصه لله ﷿ في مقال بعنوان: تطهير العقائد أساس الإصلاح في البراء (^٤).
بل نجده أحد الذين تصدّوا للردّ على توفيق الحكيم في دعوته إلى توحيد الأديان.
_________
(^١) "رسائل الرافعي" (ص ١٣، ١٥، ٤٠، ٢٨، ١٢٢).
(^٢) المصدر نفسه (ص ١١٥). ولم يحمد الرافعي تلخيصه وقال: إنه لم يحسن الاختيار.
(^٣) مجلة الفتح: العدد ٥٢٤، ١٢ محرم ١٣٥٦ هـ، جـ ١١، ص ١٠٣٤.
(^٤) مجلة الفتح: العدد ٥٤٣، ١٩ محرم ١٣٥٦ هـ.
مقدمة 12 / 20
قد تعود بداية انحراف أبي رية عن السنة إلى عام ١٣٦٣ هـ حيث نشاهده في "مجلة الفتح الإسلامية" وهو يدافع عن القرآن، لكنه في الوقت نفسه يغمز ويلمز السنة ضمنًا (^١).
وبدا أكثرَ صراحة في نقد السنة الصحيحة والقدح فيها بعد ذلك؛ فكتب مقالًا في "مجلة الرسالة" في إنكار حديث سِحْر النبي ﷺ الوارد في الصحيح، وردّ عليه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
ثم وضَح انحرافه عن السنة بعد ذلك في مقال له في "مجلة الرسالة" عدد ٦٣٣ رمضان ١٣٦٤ هـ/١٩٤٥ م بعنوان "الحديث المحمدي". ذَكَر فيه أن مقاله هذا خلاصة كتاب سيُنشر في هذا الخصوص. وقد رد على مقاله ذاك الدكتور محمد أبو شهبة في "مجلة الرسالة" نفسها بعد نحو شهرين عدد ٦٤٢ سنة ١٣٦٤ هـ. ثم ردّ على الردّ أبو رية في العدد ٦٥٤ من المجلة نفسها (^٢).
وبعد ذلك بنحو ثلاث عشرة سنة نَشَر أبو رية ما وَعَد به في كتاب بعنوان "أضواء على السنة المحمدية".
- مؤلفاته:
١ - عليٌّ وما لقيه من أصحاب الرسول. مخطوط (^٣).
٢ - أضواء على السنة المحمدية. وهو الكتاب المردود عليه.
_________
(^١) مجلة الفتح: العدد ٥٤٦، ١٠ صفر ١٣٥٦ هـ، جـ ١١، ص ١١٠٠.
(^٢) انظر "دفاع عن السنة" (ص ٣٤) لأبي شهبة.
(^٣) ذكره مرتضى الرضوي ونقل منه في كتابه "مع رجال الفكر": (١/ ١٣٠ - ١٥٨).
مقدمة 12 / 21
٣ - أبو هريرة شيخ المضيرة. طبع.
٤ - السيد البدوي. طبع.
٥ - كتاب حياة القرى. طبع.
٦ - صيحة جمال الدين الأفغاني. طبع.
٧ - رسائل الرافعي. طبع.
٨ - جمال الدين الأفغاني. طبع.
٩ - دين الله واحد. طبع.
١٠ - قصة الحديث المحمدي. طبع.
* وهذا سياق ما ذكره مرتضى الرضوي (شيعي اثنا عشري) من ذكريات مهمة مع "أبو ريّة" (^١) قال:
"تعرفت إليه عام ١٩٥٨ م .... وتعرفت على الشيخ سليمان الوكيل صاحب مطبعة "دار التأليف". وقد عمل لنا الأخ حسين محمد كاظم ــ صاحب المكتب أو النادي ــ دعوة في مكتبه فدعاني، والشيخ سليمان الوكيل، والأستاذ محمد برهومة على طعام في ظهر يوم جمعة وجلس معنا، وقد أحضر لنا الطعام من أحد المطاعم القريبة لمحله وبعد أن فرغنا من تناول الطعام أحضر لنا الشاي، والقهوة، والكازوز، والشيشة "النركيله".
_________
(^١) في كتاب "مع رجال الفكر في القاهرة": (١/ ١٣٠ - ١٥٨). وقد حذفت منه الاستطرادات التي لا تفيد شيئًا عن أبي رية. وحرصت على نقل كلامه بطوله؛ لأنه يكشف حقيقة كانت خفيّة في علاقته مع الرافضة وصلاته القوية بهم واحتفالهم به.
مقدمة 12 / 22